علي الخزيم
= علماء متخصصون يُعرفُون القصور الذاتي الإدراكي: بأنه ميل الفرد إلى توجّه معين بنمط تفكيره إزاء أمر أو موضوع أو استراتيجية في سبيل مقاومة تغيير حالته، وبالمسار الطبي والنفسي قالوا: هو النقص بالتحفيز اللازم لتوليد عمليات معرفية مختلفة مطلوبة للتعامل مع المشكلة، وقيل: إن القصور الذاتي المعرفي يقف كسبب رئيس في تجاهل التهديد الوشيك لصحة الفرد أو بيئته؛ والعجز في تبديل المهام، ومن العنوان أعلاه أقول إن شباب العرب والمسلمين أقوى - بعون الله - من أن تغرقهم موجات التغريب السلبية وإن بَلَّلتهم أحياناً.
= يتذمَّر البعض مِمّا يشاهده من ممارسات شبابية بالأسواق والأماكن العامة بالمدن الكبرى هنا كارتدائهم الملابس المزركشة برسوم غريبة وغير لائقة ببعض أنماطها أو مخالفة للدين والعادات والذوق العام بدرجات أخرى؛ وكذلك قصات الشعر غير المرغوبة والمؤذية للنظر؛ وما يحيطون به أعناقهم وصدورهم وأيديهم من سلاسل وأسورة ونحوها؛ وحين تُركّز التأمل والتفكير تجد أنها مستجدات لا تقتصر على شبابنا ببلادنا.
= قلت: بمدننا الكبرى؛ ذلكم أنها تجمع بين جنباتها الكثير من الجاليات من ثقافات عالمية متعددة ولا سيما أن مدننا بالسنوات الأخيرة - ولله الحمد - كانت محط أنظار العالم واستقطبت الكثير من الشركات والمؤسسات والمصانع العالمية بعلاماتها التجارية بكل مجال وما تبع هذا من قدوم المزيد من الجاليات بثقافاتهم وعاداتهم، ومِن ثَمَّ فإن ما نشاهده لا يكون بالضرورة من شبابنا وإن كان منهم من يحب التقليد وتستهويه تلك الممارسات دون تفكير جِدي أو اكتراث بالعيون الناقدة لابتعادهم نسبياً عن عاداتهم وتقاليدهم العريقة.
= وبعد انصرام موسم الترحال والاصطياف والاستجمام الخارجي عاد الكثير وقد سَجَّلت (أبصارهم وبصيرتهم) الكثير من المشاهد والمناظر والمواقف المشابهة لما أتحدث عنه، ولا شك أنهم قد تأملوها كثيراً ودارت أفكارهم وهواجسهم عمّا يجول بأذهان شبابهم هنا (وكلهم أبناؤنا) والوطن واحد نعتز به ونغار عليه من تجاوز أبنائه للعادات والموروث المُشرّف السائد بدعوى غير مُبرَّرة من تتبع الموضة والتحديث ومواكبة مجريات العصر.
= إن كانت المشاهدات حين زمن السياحة الصيفية مقتصرة على بلاد الغرب ومَن نَهَج نهجهم من بلاد غير إسلامية فلا غرابة؛ غير أن المؤسف أن تكون الظاهرة مُشاهَدة بوضوح بشتى بلادنا العربية والإسلامية بما يُهدد الذوق العام وينال من حدود الشرع؛ وينتهك مُسلَّمات العادات والتقاليد المَرعيّة التي أسسها الأجداد وحافظوا عليها وسلَّموها لنا مُحاطة بالاحترام والتقدير؛ فكان الأجدر بنا - بل هو الواجب الأكيد - أن نصونها ونحميها ونحافظ عليها من التغيير السلبي الضار.
= تتساءل المجالس العامة عَمَّن تقع عليه مسئولية التصدي لتلك الظواهر التي يتلقفها بعض شباب العرب والمسلمين بنِسبٍ متفاوتة؟ فالمدرسة والأسرة وخطيب الجمعة والإعلام مُتّهمون بالتقصير! وأرى أن الجهات المذكورة تبذل جهدها، ولا بأس من استمرار الجهود وتكرار المحاولات بشرط تجديد الخطاب المُوجّه للصغار والشباب من الجنسين بما تتقبله مشاعرهم ومداركهم؛ ويكشف لهم الخطر المُحدِق بالطريقة السلسة والأسلوب الناجع؛ وتحبيب المقاصد المرغوب توضيحها لهم بلطف وشفافية؛ وألا يُقارِن المتحدث الناصح حَماسَه للموضوع بما عندهم.