د. محمد بن أحمد غروي
احتفلت الأمم المتحدة باليوم العالمي للسياحة، تحت شعار السياحة كأداة للسلام وتعزيزه بين الشعوب. وتشير الدراسات والأبحاث -رغم ندرتها-، إلى أن السياحة يمكنها أن تسهم في معرفة الثقافة الأخرى، والتعاطف بين شعوب الأرض، فالتسامح قد ينبع من رؤية مكانة المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد في العالم، ويمكنها أن تسهم أيضًا في حل الصراعات.
من هذا المنطلق روجت بعض المنظمات العالمية ومعاهد السلام لتحالفات صناعة سفر دولية، مبادرات السياحية تسهم في التفاهم والتعاون الدوليين، وتحسين جودة البيئة، والحفاظ على التراث، لتصبح أول «صناعة سلام عالمية» فكل مسافر دولي هو «سفير للسلام» محتمل. يمكننا القول، إن دول جنوب شرق آسيا من أكثر الوجهات استقطابًا للسياح، وهي إحدى أهم المحطات السياحية عالميًا، الثرية تراثيًا والمتنوعة في الأنماط السياحية في بلدانها، المشتملة على السياحة التاريخية والدينية والعلاجية والترفيهية وغيرها.
وتلعب السياحة دورًا مهمًا في اقتصادات رابطة دول جنوب شرق آسيا، فما قبل كوفيد أسهم القطاع بنسبة قاربت 12.5 % في الناتج المحلي الإجمالي لرابطة آسيان، وهو أعلى من المتوسط العالمي، البالغ 9.8 % ومن المتوسط الآسيوي البالغ 8.5 % ومن المتوقع أن يصل عدد الزوار السنوي المقدر إلى 125.78 مليون، مما يعكس نموًا بنسبة 65.9 %، أي ما يعادل حوالي 82.99 مليون سائح أجنبي. ولعل هناك العديد من العوامل التي أسهمت في استجلاب الحصة الأكبر عالميًا، بما في ذلك تراث رابطة دول جنوب شرق آسيا ومعالمها الطبيعية، والمرافق السياحية المحسنة، وطبقة المستهلكين المتزايدة والقرب الجغرافي من أكبر تعداد سكاني عالمي كالصين والهند. كما تعمل المنطقة على الترويج لنفسها كوجهة سياحية واحدة منذ عام 1992. وقد تبنت تدابير مثل تسهيل السفر جوًا وتعدد خياراته، وتحسين الروابط بين الطرق والسكك الحديدية، وتنقل القوى العاملة السياحية الماهرة لتعزيز معايير وتجربة السياحة. كما اعتمدت رابطة دول جنوب شرق آسيا إعلانًا مشتركًا بشأن سياحة الرحلات البحرية كنوع مفضل من أنواع السياحة العالمية، ووعدت بتسريع التنمية وتحسين السياسات وتعزيز الكفاءة في عملية الإدارة في قطاع السياحة. وتشكل السياحة قصة نمو في رابطة دول جنوب شرق آسيا أثبتت قدرتها على مقاومة تقلبات الاقتصاد الإقليمي والعالمي.
لو نظرنا إلى تايلاند على سبيل المثال كثامن أكثر الوجهات السياحية شعبية في العالم، فالفضل يعود إلى ثقافتها النابضة بالحياة والأطعمة اللذيذة ومناظرها الطبيعية الخلابة. وبحسب إحصائيات رسمية أنه ومن المقرر أن تنتعش السياحة في تايلاند هذا العام بحوالي 40 مليون سائح. وهناك عوامل عديدة بلورت قصة نجاح آسيان وبشكل خاص تايلاند في القطاع السياحي حيث استعرض تقرير حديث صادر عن مكتب أبحاث الاقتصاد الكلي لرابطة دول جنوب شرق آسيا الضوء على ثلاثة عوامل رئيسة أسهمت في ذلك.
أولها تتمتع بطبيعية جيدة صالحة كوجهة سياحية وثقافية اشتملت على الشواطئ والمعابد والقصور. مدعومة بصناعة سياحية متمثلة في ضيافتها وبنيتها التحتية وإقامتها بأسعار منافسة. ثانيها التخطيط لسياسات السياحة في تايلاند وتنفيذها بشكل جيد. فقد بُذل الكثير من الجهد في تجديد المواقع السياحية وبناء البنية التحتية، مع تواصل الحكومة المستمر لاستهداف السياحة عالية الجودة، والترويج لشبه الجزيرة بأنها المكان الأمثل للاجتماعات والمعارض الدولية. كما قد ساعد نظام التأشيرات المتساهل نسبيًا مقارنة بدول الجوار كالتأشيرة عند الوصول في جذب السياح.
ثالثها تبني تايلاند البنية التحتية كعامل تمكين مهم، وتوفير النقل الجوي لأكثر من 80 % من الوافدين السياح، وعمل الحكومة على توسيع وترقية مطاراتها، والعمل على نطاقات سياحية ومجالات أخرى لم تكن شائعة، كالسياحة النهرية لجذب المستثمرين.