م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - الكتابة عن الذات تركز على العقل وليس على الانفعال.. وهي (غالباً) ليست اعترافات بل محاولات لتجميل النفس، وتعظيم أفعالها، أو تبرير تصرفاتها، والتباهي بمكانتها وصلاتها، والتفاخر بمنجزاتها.. وفيها الكثير من المراءاة والغرور والكذب أو على الأقل قول نصف الحقيقة.
2 - الثقافة المجتمعية لكاتب السيرة الذاتية هي التي تحدد اتجاه الكتابة.. حيث يقرر دارسو السير الذاتية أن السيرة الذاتية العربية مثلاً تقدم من باب دعوة الله تعالى لعباده: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.. بينما كتاب السيرة الذاتية الأوروبيون الواقعون تحت الثقافة المسيحية ينطلقون من باب الاعترافات التي تنقي من الذنوب وتطهر الخطايا.. وخطابهم في اعترافاتهم يصب في (تلك هي الأخطاء التي ارتكبتها.. فتحاشى السقوط فيها).
3 - يظهر جلياً التناقض بين السيرة الذاتية من المنظور العربي والسيرة الذاتية من المنظور الأوروبي.. السيرة الذاتية الأوروبية تحاول جاهدة مطابقة النفس الخارجية الظاهرة مع النفس الداخلية المضمرة.. ويرون أن وظيفة كتابة السيرة الذاتية هي إعلان المكتوم ومحاولة المطابقة الصريحة بين الذات الداخلية والذات الخارجية أمام الجميع.. بينما السيرة الذاتية العربية هي أقرب إلى المذكرات التي ترتبط بالآخرين أكثر من الذات.. وهي في سعي دؤوب إلى دفن المضمر أو تبريره.. فالستر هو المتحكم في الكتابة لا الاعتراف.
4 - الاهتمام بدراسات السير الذاتية كأحد الأجناس الأدبية لم يبدأ إلا مطلع القرن التاسع عشر.. ولا زالت الدراسات حوله متضاربة حول أول من بدأ هذا الجنس من الأدب في المجتمعات الإنسانية.. ومدى انتشاره في المجتمعات.. ولم يكن حصر السير الأدبية في مجتمعات الشرق عموماً بالأمر السهل.. ولذلك ظهر أن الأوروبيين هم أول من أنشأ ذلك الفن ووضع أصوله.
5 - نظر الأوروبيون للسيرة الذاتية باهتمام بالغ.. وأضفوا عليها الأهمية المركزية وعدوها وثيقة تاريخية لأنها وفرت البناء الرصين للكتابة التاريخية.. وأنها إضافة إلى ذلك وثقت بتعبيرات واضحة ومباشرة التأملات والأحاسيس والمشاعر التي خالجت الكتَّاب في عصورهم تجاه الأحداث والأشخاص.
6 - يرى الأوروبيون أن الشعر الجاهلي مع أنه يعتبر صوتاً فردياً إلا أنه ليس سيرة ذاتية.. فمنظور الشاعر الجاهلي ليس منظور من يتطلع من الداخل إلى الخارج بل هو منظور يصور نفسه باعتباره جزءاً من جماعته ومجتمعه.. فهو يعيش في عالم عقلي ذي بعد واحد.. بمعنى أن الأساس الأهم في كتابة السيرة الذاتية هو البوح.. وهو ما يفتقده الشعر الجاهلي.
7 - بقي أن نتساءل: هل السيرة الذاتية في التاريخ العربي عدت شكلاً أدبياً أم تاريخياً؟.. فيما يبدو لي أننا في العالم العربي ننظر للسيرة الذاتية على أنها شكل تاريخي.. بدليل أن السيرة تشمل تاريخ الولادة والدراسة والعمل والمناسبات العامة.. لكن نادراً ما نجد وصفاً للشخصية الكامنة خلف صاحب السيرة أو خلفيات الأحداث أو حتى صفاته الشخصية.. ولا غرابة في ذلك فالسيرة الذاتية العربية منذ نشأتها كتبت من رجال الدين.. وغاية معظمها أخذ العبرة ووسيلتها الوعظ.