أحمد بن محمد الجردان
بقلب مخبت مؤمن بقضاء الله وقدره، نزل عليَّ نبأ وفاة الشيخ عمر بن سعود العيد - رحمه الله - كالصاعقة المزلزلة، لأنه شيخ عرفته بشخصه الكريم، وثباته على المنهج القويم، وعلمه الرصين، وعمله الدؤوب، وخُلقه السامي، وحرصه المتنامي، وتحفيزه المتواصل، وإصلاحه الفاعل والمؤثر بين الناس، كما أنه يأسرك بحسن تعامله، والكمية الهائلة من تفاؤله، وكم هو رائع حين يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، أو يعلم جاهلاً، أو يصوب لمتعلم!!
لم أدرس على يده في قاعات الجامعة، بل حضرت له حضور العامة لا حضور طلاب العلم الراسخين الجادين في تحصيلهم العلمي، حيث حضرت له دروساً في العقيدة والسيرة والفقه، إضافة إلى محاضراته وكلماته، التي يأخذك من خلالها بأسلوبه الرائع عند حديثه في السيرة، خاصة إذا قال عبارته المشهورة الرائعة والرائقة الراقية، حين يقول (لننطلق سوياً إلى كذا وكذا) حيث ينقلك إلى مشهد جديد، يرويه بأسلوبه السلس والمتميز، ويعقب بعده بتعليقه أيضا المستلهم للدروس والعبر والفوائد!!
ولا عجب فأنت أمام عمر العيد ذلك الشيخ الفريد، ولا غرابة فهو من البارزين ومن خواص طلاب سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمهما الله، كما أنني وجدت فيه أيضاً نعم المعلم، ونعم المربي، ونعم الناصح، ونعم الموجه، لا تفارق الابتسامة محياه، فسبحان الله الذي بذلك كله قد أكرمه وحباه!!.
بلا شك أن فقد رجل عالم ومُعلم، له دوره الدعوي في الداخل والخارج كالشيخ عمر رحمه الله، بلا شك هو فقد عظيم ومصاب جلل فقد قال مجاهد -رحمه الله- ((في قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)؛ قال: «هو موت العلماء»))، نعم فقد العالم نقص ليس خاصاً بأهل بيته، وبني عمه، وجيرانه، بل هو فقد يمس الأمة بأسرها، لذا قال الشاعر:
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها
متى يمت عالم يمت طرف
كالأرض تحيا إذا ما الغيثُ حلَّ بها
وإن أبى عاد في أكنافها التلف
قد يأتي في نفس بعض من يقرأ هذه الأسطر أن فيها من المبالغة ما فيها، والحقيقة أن لا مبالغة فيها!!، فالشيخ ليس عابداً فقط بل هو عابد، وعالم، وعامل، بما لديه من علم، وذلك فضل من الله عظيم، قال الفاروق -رضي الله عنه-: «موت أَلف عابد أهون من موت عالم بصير بحلال الله وحرامه»، وشرح ذلك ابن القيم -رحمه الله- بقوله أي أنه يهدم على إبليس كل ما يبنيه بعلمه وإرشاده، وأما العابد؛ فنفعه مقصور على نفسه».
عندما ووري جسد الشيخ رحمه الله في قبره بمقبرة النسيم بعد عصر يوم الخميس الموافق 16 – 3 – 1446 بعد الدعاء له بالمغفرة والتثبيت، تمثلتُ وتذكرتُ قول أبي الطيب المتنبي حين قال:
ما كنتُ أحسبُ قبل دفنك في الثرى
أن الكواكبَ في الترابِ تغورُ
نعم عمر العيد كوكب هوى من سمو السماء، ولكنه سيبقى في قلوبنا ما بقي فيها حياة، وعند الله برحمته وعفوه جل وعلا وغفرانه في روضة من رياض الجنة!!.
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا شيخنا عمر بن سعود العيد لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، فاللهم اغفر له وارحمه واسكنه فسيح جناتك ووالديَّ وأمواتي وأمواتكم وأموات المسلمين آمين.