د. فهد بن أحمد النغيمش
حديث النعمة أو الأغنياء الجدد هي مصطلحات حديثة راجت في أوساط المجتمع تصف شخصاً جاء من خلفية اجتماعية متوسطة أو فقيرة في الأصل، ثم أصبح بين عشية وضحاها ثرياً ذا مال ونعمة، ولا حرج في ذلك ولا حسد، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) (32) سورة الزخرف، وعلى الرغم من أن هذه العبارة لا تقال على سبيل الشتيمة إلا بالإشارة إلى من يسيء استخدام النعمة وليس من يحصل عليها فقط، الا ان هناك الكثيرين خلطوا بين المفهوم وبين العمل، وبعيدا عن الخوض في غمار مفاهيم المصطلح ومدى مواءمة اطلاقه من عدمه ومن المعنيون به؟ فان ظاهرة حديث النعمة ليست حديثة ولا هي حكر على شعب دون غيره.
وهي باللغة الإنجليزية تعني «New money» أي أنك تعرفهم بسيماهم، وبينهم طباع مشتركة لا تخفى على ذي عين حاذقة.
المتابع في الآونة الأخيرة لبرامج السوشل ميديا وقنوات التواصل الاجتماعي يلحظ بعين جلية كمية الاستعراضات والمفاخرات التي يتغنى بها رواد الأعمال، والمشاهير، وفي الغالب إن هذا الثراء المالي لم يقابله ثراء ثقافي أو اجتماعي، ولهذا ارتبط المصطلح بالازدراء والتحقير من البعض، ونال سيلاً من الانتقادات اللاذعة والشديدة لبعضهم، خاصة إذا أبصرت من يبذل أموالاً طائلة وجهوداً جبارة لإظهار ثرائه من خلال السيارات الفارهة، والماركات العالمية، وأسلوب الحياة الباذخ، ويقطنون البيوت الكبيرة، وهم يفعلون ذلك للانتقام من أيام الفقر الذي كما يقال يترك ندوباً ظاهرة لكل من شاهدهم، وليست الإشكالية الحقيقية تكمن في ثراء هؤلاء ولا طريقة حفاظهم على أموالهم، إنما هي كمية استعراضات هي في حقيقتها فارغة وفي نفس الوقت تافهة، وما أصدق المثل اليوناني القائل (حديثو النعمة تظل أحشاؤهم مملوءة فقرًا)، فمهما استعرضوا ومهما فعلوا إلا أنه يوجد هناك فقر معرفي وثقافي واجتماعي وربما أخلاقي للأسف! لماذا حصل ذلك؟ قد يكون التغير المادي المفاجئ الذي حدث لهم كان بمنزلة الصدمة التي لم يتمكنوا من التعامل معها واستيعابها، فبالأمس القريب كانوا مجرد أشخاص عاديين لا يمتلك معظمهم المقومات الاجتماعية للشخص الناجح من أفكار وعلم وثقافة، ثم فجأة حدثت لهم هذه القفزة المادية في عالم الشهرة بسبب مقطع فارغ اشتهر بسرعة البرق، أو كلمة تافهة قالها أحدهم وتداولها الناس فسرت كسريان النار في الهشيم أو لأي سبب كان، ولذا كانوا قديماً يقولون: لا تصاحب حديث النعمة!
هذه الممارسات المبتذلة وغيرها هي من الممارسات الناتجة عن عدم قناعة الفرد لاستحقاقه بما لديه ومحاولاته المستميتة في توكيد ذاته من خلال الحصول على تقدير مزيف تصنعه «المادة» لا القيمة والمعنى، هي التي تجعله عرضة لعدم القبول الاجتماعي الذي يعرضه للانتقاص والشتائم.
إن التطور أو التغيير في شكل الحياة المادية على أي مستوى هو عبارة عن إنجاز وقدرة وإرادة وإقدام على تحسين واقع الحياة، وهو محسوب لصالح صاحبه بكل تأكيد، لكن من الواجب أن يتزامن هذا التطور مع تطور الوعي تجاه القيم والجوهر الإنساني الذي يفترض أن يتسامى ويأتي في المقدمة على مستوى الماديات التي تظهر المتورط فيها كعديم القيمة إذا لم توجد.
رسالتي لأولئك المنجرفين خلف سنابات المشاهير ومن هم حديثو النعمة ومقاطعهم المزيفة: ما تراه هو جبل من الجليد سرعان ما ينصهر بين عشية وضحاها، وتذكر انهم لم يكونوا ليصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا على أكتافكم ومشاهداتكم، فأنت من صنعهم وأبرزهم ولذا لا بد أن تكونوا منصفين في مشاهداتكم ولايكاتكم، فلا تبرزوا الحمقى ولا المغفلين..
وإلى أولئك الذين سمّيناهم (حديثي النعمة) ففاخروا وعبثوا بمحتوياتهم وتكبروا وتعالوا على الآخرين: على رسلكم فلم يكن المال يوماً طريقاً موصلاً لقلوب الناسن وليست العبرة بالشهرة فهناك من اشتهر بفعل دنيء لم ينسه له التاريخ كمثل من بال في بئر زمزم ليذكره التاريخ، ثم لتعلموا أن من وهبكم هذا المال قادر بحكمته أن يسلبه إياكم إن لم تحسنوا صرفه، ولا تقل كما قال قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) (78) سورة القصص، فكان عاقبته (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) (81) سورة القصص!!