اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
إن كل مؤسسة أو وحدة تتطلع إلى إنجاز مهامها وتحقيق أهدافها على أفضل وجه وأكمل صورة لن يتأتى لها ذلك إلا من خلال تأدية العمل الجماعي الذي يضمن لها النجاح، حيث إن الفرق بين العمل الفردي وما يؤديه المجموع يتمثَّل في مدى الإتقان الذي يتم به العمل وتجسيد روح الفريق وتضحيات أعضائه من أجل مصلحة العمل، باعتبار الجدوى الإجمالية لحاصل جمع المهارات الفردية أفضل وأكثر نفعاً للمجموع منها وهي منفردة في تشتت هنا وهناك.
وروح الفريق وروابط الزمالة المنبثقة عنها تقوي الرغبة في العمل الجماعي، وتدفع المتحلِّين بهذه الروح إلى التضحية بالنفس والنفيس في سبيل ما يعود بالنفع على الفريق والوفاء بالتزامات المؤسسة التي يمثّلها هذا الفريق، ويأتمر بأمرها خاضع لسلطتها، وحريصاً على سمعتها مع الاعتزاز بالانتماء إليها والرفع من شأنها.
والعمل الفردي يتعيّن أن يعزِّز العمل الجماعي بحيث يشعر كل فرد بأنه جزء من وحدة كاملة وقائمة بذاتها تُحتم المهنة على كل عضو من أعضائها أن يقوم بواجبه نحوها ويعمل لمصلحتها، انطلاقاً من لزوميات المهنة والاعتبارات المادية والمعنوية التي تنظّم العلاقة بين المنتمي ووحدة انتمائه والعامل وبيئة عمله.
وروح الفريق تنشأ بين المنتمي ووحدة انتمائه وعضو الفريق وفريقه، وهي حالة نفسية وعاطفية للوحدة تقوم على اعتزاز الفرد بوحدته وولائه لها وإحساسه بالمسؤولية نحوها وإنكار ذاته في سبيلها والتضحية بمصلحته في سبيل مصلحتها.
والذي تتأصل لديه روح الفريق مع زملاء المهنة ومنسوب الوحدة يعتز بمهنته ويفخر بوحدته، متخذاً من الأولى محجةً ومن الثانية حجة لمنافسة الآخرين والتفوق عليهم، كما أن الولاء المشترك الذي يجمع بين المقودين وبينهم وبين قادتهم ينمي روح الفريق داخل الوحدة، الأمر الذي يستدعي أن يتم العمل الفردي بصورة توحي بوجود رابطة تجذبه نحو العمل الجماعي بحيث تكون هذه الرابطة محل الاعتزاز والفخر من قبل الجميع.
ويعتبر الإحساس بالمسؤولية نحو الوحدة من العوامل التي تعزِّز الروح المشتركة بين المنتمين إليها، وتدفعهم إلى الالتزام بتطويرها والمحافظة على ازدهارها واستقرارها واستمرارها مع إنكار الذات والتضحية من أجلها ووضع مصلحتها فوق المصالح الشخصية.
والواقع أن روح الفريق هي ألصق المشارع بالروح المعنوية، فهي تظل تعلو وتهبط بقدر قوة وضعف الأواصر بين زملاء المهنة، كما أنها تمثّل الشرارة التي تدفع إلى إنجاز المهام بشرف ورجولة، وكلما اشتدت الملمات واحتدمت الأزمات نشطت هذه الروح ودفعت كل عضو نحو بقية الأعضاء طلباً للمساندة والدعم بما يضمن للفريق قدرة إضافية على تحمل المشاق ومواجهة المصاعب.
والشعور بالمسؤولية ينمو بنمو روح الفريق والتضامن بين زملاء المهنة، وذلك عندما يؤمن كل فرد منهم بأن نتيجة عمله عائدة عليه وعلى وحدته مع الأخذ في الحسبان أن الإنسان العادي أناني بطبعه يرى الأمور بمنظار مصالحه الشخصية وحسب نظرته السطحية، أما الإنسان العقائدي فهو الذي يستطيع كبح غرائزه لكي يتوصل إلى نكران الذات في سبيل المصلحة العامة والهدف الجماعي.
وترتيباً على ذلك فإن الأخطاء تتضاءل حتى تكاد تنعدم عندما ينمو الشعور الجماعي والإحساس بالمسؤولية الجماعية، وعندما يؤمن كل فرد بأن الضرر الناجم عن أخطائه يعود على الفريق بأكمله، عندئذ يتماسك الفريق ويدعم بعضه البعض الآخر كفريق شد الحبل، وذلك بفضل المساندة المادية والمعنوية المتبادلة التي تؤتي ثمارها وينعم بها الجميع.
وبالطبع فإن روح الفريق تتجلى في أفضل مظاهرها عندما يمتد زمن الزمالة بين أغلب أعضاء الفريق، فتتحول الروابط بينهم إلى نوع من العلاقات الأسرية التي يهتم فيها كل فرد بمصير الزملاء الآخرين نتيجة لهذه الروح التي تُهوِّن على أعضاء الفريق المصاعب والمتاعب وتدفعهم إلى العطاء بغير حدود والإجادة في العمل.
والمرء من خلال شبكة الروابط التي تجمع بينه وبين الجماعة التي يعمل ضمنها تتبلور تصرفاته وممارسته الفردية والجماعية ويتحدد ذلك بقدر إسهامه في الأعمال المشتركة التي تنجزها الجماعة ودرجة التضحية التي يرتضيها طائعاً مختاراً يتطلع إلى تحقيق الهدف المشترك.
ولكل فرد حدود يعمل في إطارها ضمن عمل فريقه وتتوقف حريته عند الخط الذي يبدأ منه العمل الجماعي دون أن تذوب هويته، بل يندمج في وحدته مع احتفاظه بشخصيته المستقلة، وهذا يعني أن العمل الفردي معناها الاندماج في العمل الجماعي وليس العكس، مما يتطلب نبذ الأنانية وتقديم التضحيات.
وتقسيم الوحدة إلى أقسام داخلية يجب ألا يؤدي ذلك إلى نسيان فكرة العمل الجماعي، ومطلوب من هذه الأقسام أن تتناسى أنانيتها وأن تتعاون بصدق في داخلها مع الأقسام الأخرى ليكون ثمة جهد موحّد وليس مجموعة جهود مبعثرة وعقيمة.
وروح الفريق يمكن النظر إليها بأنها من أهم العوامل التي يعتمد عليها النجاح في العمل سواءً في المهنة المدنية أو العسكرية مع ملاحظة أن المهنة العسكرية ذات طابع خاص فيما يتعلّق بالعمل الجماعي المنسق الذي يهدف إلى خدمة الجميع ومواجهة المخاطر وإثبات الوجود أمام التحديات والأزمات بما في ذلك الصمود في ميادين القتال والتصدي للنيران.
ورغم الثوابت التي تجمع بين المهنة المدنية والمهنة العسكرية والمتغيرات التي تميز بينهما بالنسبة لروح الفريق وكيفية تنميتها والمحافظة عليها فإن التوافق والاختلاف ينطبق على الأسس والعوامل المؤثّرة وكيفية تنمية هذه الروح والعلامات الدالة عليها وما في حكم ذلك.
وروح الفريق هي الدعامة الرابعة للكفاءة القتالية المتمثلة في الكفاءة العسكرية والانضباط والروح المعنوية وتنمية هذه الروح وتعهدها يساعد على تنمية الدعامات الأخرى لوجود تكامل بينها على مستوى الكم والكيف في السلم والحرب.
ونجاح القائد في خلق روح الفريق والتحكم في العلاقة بينها وبين المعنويات والانضباط والنشاطات المهنية مرهونة بقدرته على التفكير وعدالته في توزيع الأدوار ومراعاة الفروق الفردية بالإضافة إلى السياسة البناءة لمواجهة المواقف الهدامة.
وشعور المقودين بوجود القائد والثقة بسرعة مبادرته إلى اتخاذ القرار السليم يمنحهم الطمأنينة ويرفع روحهم المعنوية المدعومة بروح الفريق التي تجمع بين زملاء المهنة في بيئة يسودها الانضباط الذي يضبط الأهواء الشخصية ضمن إطار المصلحة العامة.
والقيادة الحازمة الواعية المرنة التي تقود بقيادة القدوة يشعر المرؤسين في ظل قيادتها بدفء الزمالة وألفة روح الفريق مما يولد لديهم الحوافز التي تحفزهم على العمل الجماعي والتضحية في سبيل بلوغ الهدف المشترك مهما عاكست الظروف وحصل غير المألوف.