د. عبدالحق عزوزي
عقدت منذ أيام الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة وسط مخاوف من اتساع رقعة الحرب في منطقة الشرق الأوسط.. ويبقى السؤال: هل يمكن إصلاح الأمم المتحدة؟
هذا موضوع حساس وصعب، فالدول الخمسة الكبرى تتوفر على حق النقض «الفيتو» الذي يمكن أن تستعمله متى تشاء وحسب معاييرها الاستراتيجية الخاصة بها بل وفي بعض الأحيان حسب مزاجها الدبلوماسي الخاص.
وبعد سنة 1945 حصلت تطورات جيوستراتيجية متعددة يمكن أن تكتب في الآلاف من كتب التاريخ وكتب العلاقات الدولية دون أن يصاحب ذلك أي تطور أو إصلاح ملموس لميثاق الأمم المتحدة.
إصلاح الأمم المتحدة هو شيء ضروري، ولكن يبقى رهينا برغبة الدول الثلاثة الكبرى: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، فهاته الدول مجتمعة ستظل الركائز الأساسية لأية رغبة في الإصلاح، كما أنه يبقى رهينا بالرغبة المشتركة لدول الجنوب واجتماعها على البلدان التي يمكن أن تمثلها بصفة دائمة داخل مجلس الأمن.
الحكامة الدولية صعبة الممارسة والتطبيق والتأصيل ولكن تطويرها أمر لا مفر منه، والأمم المتحدة رغم ما يمكن أن يكتب أو يقال هو المكان الوحيد لتفعيل هاته الحكامة الدولية.
عندما ألقى الأمين العام السابق للأمم المتحدة «بان كي مون» كلمة الوداع في الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتبر نفسه كفلا للأمم المتحدة وشدد على قوة التعاون الدولي في مواجهة التحديات الملحة، مسلطًا الضوء على خطة 2030 للتنمية المستدامة، واتفاقية باريس حول تغير المناخ، باعتبارهما من إنجازاته خلال فترة العشرة سنوات التي تولى فيها منصب الأمين العام للأمم المتحدة... وأياً كان طفلاً أو أباً للأمم المتحدة فإن معايير اشتغاله كأمين عام للأمم المتحدة لم تسعفه في تجسيد دور الأمم المتحدة الأول وهو تحقيق السلم في العالم، خاصة وما تملكه من آليات لا يعلى عليها لتحريك عجلة التدخلات لإرغام مرتكبي الحماقات وجرائم الحرب ضد البشرية من التوقف...
الصور التي تأتينا على قنوات التلفزات العالمية من مناطق عدة في العالم تبكي كل القلوب ولا يمكن وصفها، فهي بشعة ولا إنسانية ولو كان للأمم المتحدة مثقال ذرة من القدرة لما وصلت البشرية إلى هذا المستوى..
فلا الأمين العام السابق ولا أسلافه، ولا الأمين العام الحالي كان بإمكانهم أو بإمكانهم إصلاح مجلس الأمن ولا التأصيل للأدوار الجديدة وميكانزمات أخذ القرارات التي يمكن تبنيها لاحقاً لدمقرطة العمل الأممي.. فجميعهم يعرفون عملهم والخطوط الحمراء التي رسمتها القوى الدولية لعمل الأمين العام وللمنظمة بأسرها... الإصلاح صعب وما يجري في العالم من أحداث درامية يكون علاجها بين القوى العظمى خارج الأمم المتحدة، وليس داخل هاته المنظمة، هاته هي الحقيقة المرة.
وقد كانت هناك في السابق محاولات عديدة لإصلاح الأمم المتحدة في عهد أمينين سابقين يوسف بوطرس غالي وكوفي عنان ولكنها باءت بالفشل الذريع، لأن الإشكالية التي تطرح تكمن في ضرورة «التمثيلية المتوازنة» داخل الأمم المتحدة.
وهاته الإشكالية كلما طرحت إلا وخرجت إلى الوجود العديد من التساؤلات والإرهاصات التي توقف في المهد كل المحاولات الإصلاحية: فما معنى التمثيلية المتوازنة؟ وكيف يعقل أن تبقى الدول الخمسة التي خرجت فائزة من الحرب العالمية الثانية الممثلة الشرعية للأمم؟ وماذا عن تغير مفهوم القوة؟ وعن القدرات العسكرية؟ وهل يبقى مبدأ «العضو الدائم» مقبولاً في عصرنا هذا حيث إن الديمقراطية العالمية تفرض عكس هذا التوجه تماماً إذا أردنا أن نطبقه في العلاقات بين الأمم؟ ثم إن أية محاولة إصلاحية جادة لميثاق الأمم المتحدة تصطدم بالمادة 108 من هذا الميثاق التي تقول: «التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء «الأمم المتحدة» إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء «الأمم المتحدة» ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقا للأوضاع الدستورية في كل دولة.
«بمعنى أن أي إصلاح مع وجود هاته المادة صعب بل غير ممكن ما دام أن ذلك سيبقى خاضعاً لحق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن!!!