د.محمد بن عبدالرحمن البشر
يبدو أن هناك مفهوماً عالمياً جديدا للعلاقات الدولية، ومفاهيم جديدة للعلاقات الإنسانية داخل المجتمعات، ومن الأولى النظر إلى ذلك بحذر حتى يكون الحكم عليه أو له أقرب إلى الصواب، مع الأخذ بعين الاعتبار التباين في الآراء بين الناس طبقاً لخلفياتهم الثقافية، وقناعاتهم الذاتية، ومن المحتمل أن تكون الركيزة الأساسية التي ساعدت على ذلك التغير في المفاهيم توفر وسائل التواصل الاجتماعي ذات التأثير القوي، والتي يستفيد منها الزاحفون إلى الإتجاه نحو نقطة أبعد عن خط التوازن لمنحنى التوزيع الطبيعي للاتجاهات.
فالقانون الدولي المبني على العدالة أولاً، وسيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، أخذ في الإنحسار في بعض المناطق الساخنة من العالم، واصبحت القوة هي الأداة المستخدمة لنيل حقوق، أو سلب حقوق، بسبب غياب العدالة والإنصاف الذي يجب أن يتبناه المجتمع الدولي المتغير في مفاهيمه، ومن البديهي القول ان غياب القانون الدولي والعدالة الدولية يعني فقدان بعضاً من الدول غير القادرة على الدفاع عن نفسها، سيادتها أو ربما جزء من ثرواتها الطبيعية، أو حتى أراضيها، والقدرة على حماية النفس تتمثل في القدرة الذاتية ببناء جيش قوي يعتمد على التقنية الحديثة، أو إمتلاك أسلحة غير تقليدية، وهذا يعني جر العالم إلى سباق تسلح على حساب التنمية الوطنية المدنية، وربما يؤدي إلى استخدام أسلحة غير تقليدية، تأخذ العالم إلى مصير خطير ومجهول العواقب.
لا يمكننا تجاهل المصالح الذاتية لبعض النافذين في دولهم، والذين قد يستخدمون طرح بعض القضايا ذات الشعبية التي ينساق وراءها الدهماء من البشر دون وعي للعواقب، لتحقيق مآربهم، ومن ضمن تلك التعبئة الشعبية التطرف في طرح بعض القضايا مثل الهجرة، أو اللون، أو العنصر، أو التطرف في طرح بعض الأوهام والوعود الاقتصادية غير القابلة للتحقيق. وبذلك يتربع على رئاسة بعض الدول تيارات تميل إلى اليمين أو إلى اليسار، مع انحسار الوسطية والإعتدال، وهذا يمهد للبعد شيئاً وشيئاً عن القانون الدولي والعدالة.
مع وسائل التواصل الاجتماعي الحالية لم يعد الكثير يختار بمحض إرادته وعقله، لكن في الغالب يكون مسيراً بتأثير الإعلام بوسائله المختلفة، وبعد ان يترسخ في ذهنه موقف ما، يسعى إلى التزود من معين توجهه، فيجد باباً واسعاً، ومساحة لا نهاية لها من الوقود الإعلامي الذي يغذيه، فيزداد تطرفاً في مواقفه، ومن العجب أنه كلما مرت به الأيام حصر نفسه في مصادر إعلامية معينة يروي بها ظمأه الدائم إلى إسعاد نفسه بما يتوافق مع ما بناه الإعلام في عقله، وهذا ما تفعله وسائل الإعلام الموجة. سواء في الدول الصغيرة أو الكبيرة، أو تلك التي تدعي الديمقراطية، أو الواقعية. وحتى نكون واقعيين فلم يعد هناك وسائل إعلام محايدة أو منصفة، فأغلبها ذات اتجاه معين، مع اختلاف درجة الذكاء في طرح المعلومة المراد إيصالها، فمثلاً في أمريكا من كان ميالاً للحزب الديمقراطي، فإنه في الغالب يحصر نفسه في سماع السي أن أن، بينما صاحب الميل الجمهورية لا يكاد يشاهد سوى فوكس نيوز، فتزيد قناعته بما يتم طرحه من خلالها، ويؤمن بكل ما تطرح.