سالم بركات العرياني
استهل الكاتب البريطاني المؤرخ الناقد توماس كارليل مقاله اللامع الشائق عن الكاتب الفرنسي الشهير فولتير بقوله (لو قدر للطموح أن يختار طريقه، وللإرادة في المحاولات الإنسانية أن ترادف الموهبة لكان كل الرجال الطامحين حقا من رجال الأدب).
وفي موضع آخر من المقال نفسه يقول (إذا استثنينا الراهب لوثر صاحب البروتستانتية، فإنه ليس هناك أحد من رجال الفكر في العصور الحديثة قد صار تأثيره وشهرته أوروبيين خالصين مثل فولتير).
والواقع أن فولتير قد بلغ في عصره من الشهرة الواسعة والمكانة المرموقة العالية ما لم يبلغه كاتب قبله أو بعده حتى أصبح علما على عصره ورمزا له وليس في استطاعة إنسان أن يتصور القرن الثامن عشر بدون فولتير وتأثير فولتير.
وقد كتب عن فولتير من زوايا عدة وتناقضت الأحكام في تقدير أدبه ومنزلته بين كبار المفكرين ولم يكن هناك مناص من ذلك، فقد كان الرجل متعدد الجوانب وتناول في حياته موضوعات شتى وكان هو نفسه يكاد يكون خلاصة حياة عصره.
ووصفه فيكتور هوجو فقال (إن ذكرت اسم فولتير فقد ذكرت أخص مميزات القرن الثامن عشر من أوله إلى منتهاه) وقد اختصت إيطاليا بعصر النهضة واختصت ألمانيا بعصر الإصلاح اللوثري، ولكن فرنسا اختصت بفولتير فقد كان يضم في برديه النهضة والإصلاح ونصف الثورة الفرنسية كما كان يجمع بين شك مونتاني وسخرية رابليه.
ووصفه لامارتين فقال (إن الأقدار قد وهبته عمرا قد جاوز الثمانين، فاستطاع أن يقضي على فساد عصره وقد مكنه عمره الطويل أن يحارب الزمن فلما سقط في حومة الوغى كان سقوطه سقوط الظافر المنتصر).
ويوم وقعت عينا لويس السادس عشر على مؤلفات فولتير وروسو قال (إن هذين الرجلين قد أوديا بفرنسا، وهو يقصد بفرنسا أسرته بالطبع) ومن مأثور أقوال فولتير (إن الكتب تحكم العالم أو على الأقل تحكم الأمم ذوات اللغات المكتوبة، أما ما سواها فلا تدخل في الحساب).
ما من رجل علم الكثيرين من معاصريه ومن بعد عصره أن يفكروا وأن يستغلوا قواهم العقلية مثل فولتير، وما من قوة استطاعت أن تطفئ ذلك الضياء الذي انبثق في أنحاء أوروبا نتيجة لتعاليم فولتير الذي لا ينفك يتألق في سمائه ولقد كان أولئك الذين لا يحبون أن يفكر الإنسان لنفسه والذين يحبون أن يظل العقل البشري جامدا يقولون (إن فولتير رجل شاذ) لماذا؟ لأنه كان يصر على أن من حق الإنسان أن يشك فيما لا يستطيع أن يؤمن به، والذين لم يطالعوا حرفا واحدا مما كتبه فولتير يؤكدون أنه كان رجلا ملحدا على أن شعر فولتير كان خير جواب على هذا الاتهام حيث نرى إيمانه يعلن عن أفعاله.
وقضى هذا الأديب الثائر نحبه وهو في الثالثة والثمانين من عمره وكانت آخر كلماته التي أملاها على سكرتيرة هي: (إنني أموت وأنا عبد الله وأحب أصدقائي ولا أكره أعدائي وازدري الخرافات).