عبد الله سليمان الطليان
الأخلاق هي عنوان الشعوب،وقد حثت عليها جميع الأديان، ونادى بها المصلحون، فهي أساس الحضارة، ووسيلة للمعاملة بين الناس، لها اختلاف في الرأي والتفسير على مستوى جماعات أو أفراد، وبحسب كل زمن ومشاكله الأخلاقية الذي تطور مع الوقت وتعمق فيه البحث والدراسة وأخذ جوانب متعددة من حياة الإنسان النفسية والتربوية والاجتماعية والبيئية، وإلى يومنا الحاضر وهي محل نقاش وجدال وتفاعل بسب اثرها العميق على حياة الشعوب.
وسوف نعود من جديد ونسلط الضوء على جانب طرح فيه الرأي الكاتب الأمريكي جون باينس ذو الأصل التشيلي، في كتابه (أسس التعامل والأخلاق للقرن الحادي والعشرين) تحدث فيه عن الكسل والانحطاط والقعود وفقدان القيمة الذاتية.
يقول إن الكسل والافتقار إلى النشاط والميل إلى الملذات، يدفع الفرد إلى التفكير في التوافه لافتقاره إلى أي شيء أفضل يقوم به، أو إلى الانسحاب من الضجر والسأم كتسلية عقلية.
فإذا لم يكن لدى الشخص عمل أو نشاط خاص، فإنه ينام فترة طويلة ويستيقظ متأخراً، إنه يفتقر إلى المسؤوليات العائلية ولن يواجه تحديات مهمة. ويفقد أيضاً الفرص لتكوين شخصيته.
تؤدي الحياة الرخية السهلة إلى نقص النشاط، ومثل ذلك العمل الذي يتطلب تضحية يمكن أيضاً أن يؤدي إلى غياب النشاط إذا لم يحظ بالتقدير الضروري. ويسبب فقدان الحوافز والفرص الخمول واللامبالاة، حتى في الحالات التي تكون المشكلة ذاتية إلى أبعد الحدود،ويمكن أيضاً أن تعمل وسطية البيئة كعائق في سبيل الإبداع والدافع الشخصي.
ولكي نكون أكثر دقة، نقول إن الشخصية تكتسب صلابة بالتغلب على العقبات المهمة، وعند عدم وجود هذه العقبات، أو عندما يرفض الفرد مواجهتها، فإن هذا يسبب ضعف الإرادة عنده.
علينا أن نتذكر أن السلوك الأخلاقي ممكن فقط عندما تتوفر إرادة قوية مصممة تعرف كيف تصمد في وجه الرذيلة والإغراء. ولا يظهر هذا النوع من النشاط إلا أحيانا لأنه ليس معياراً عاماً. وبالمثل، يميل الفرد الذي يشعر بالفشل في الحياة إلى فتور الهمة والاكتئاب ـ استنزاف العواطف الذي يؤدي به إلى الثورة ضد العالم بطريقة هدامة.
تتركز الحياة في المدن الكبيرة على اليسر والراحة. وقليل من الناس يسيرون عدة الأميال للوصول إلى أمكنة عملهم. وفي حالات قليلة جداً، نجد مناسبات تتطلب جهداً بدنياً سلوك، فكل شيء يتركز على الوسائل الآلية التي توفر الراحة - حافلات، وقطارات نفقية، وسيارات ومصاعد، ووسائل استهلاكية الكترونية، وأجهزة تلكس، وحاسبات، وأجهزة للاتصال الهاتفي والبرقي، هذا فضلاً عن وسائل الترف والتعقيد، إنه، في الواقع، عالم الأشياء الخارجية التي تجعل الحياة أكثر يسراً، وكل شيء يشير إلى حقيقة أننا نقترب بسرعة كبيرة من أسلوب حياة أكثر سهولة من الناحية المادية، وجود يتطلب القليل من الجهد مع مزيد من الفراغ والترف ومع تمويل الإنسان على الآلة الذي يتعاظم باستمرار - إذا فشل أن ينمو داخلياً - فإن القرن الحادي والعشرين قد يكون العصر الذي يمكن فيه أن ينجح طغيان (الحشود) المقصود بالكلمة هنا (جماعة من الناس ماتزال في مرحلة مبكرة من عملية الارتقاء) عن طريق طغيان الآلة. فالعلم والتكنولوجيا في تطور دائم، ولكن الحالة الارتقائية الداخلية عند الإنسان ثابتة؛ فهو لا يعدو كونه الإنسان الذي كانه قبل عشرين أو ثلاثين قرناً. فالنوع البشري وكل ما يمثله يتضاءل، في حين أن التقدم يتعاظم.
ومع أن الجميع يصفقون لاستمرار ضروب التقدم التقني، فإن القيم الأخلاقية مهملة. إن ثقافة الترف واللذة والرفاه تعمل بسرعة على استلاب العالم الروحي عند الكائن الإنساني، في حين بتزايد طغيان المادية والعنف. وفي النهاية، تسرق الانتهازية والمادية روح الناس، مغتصبة بذلك الوظائف التي تنسب إلى الشيطان.
إنه لأمر مضحك، مع أنه ليس غريباً، أن يتكون لدى الناس الانطباع بأن مستوى حضارتنا يتحسن بسرعة، حتى أنهم يصدقون بأننا نزداد تحضراً باضطراد، مما يولد شعوراً بأن كل شيء على ما يرام وليس هناك سبب حقيقي يدعو إلى القلق. هذا الإحساس بالانتصار والاستلاب الاستهلاكي يدفعان الناس إلى نسيان بعض الحقائق وتجاهل الأسئلة التي يتفادون طرحها على أنفسهم وواحد من هذه الأسئلة، مثلاً، هو: لماذا يفشل التقدم الروحي في التحسن بالتوازي مع ضروب التقدم المادي، في حين أن ما يحدث، في الواقع، هو تراجع فيه تعطى للخارجي قيمة أكبر من الداخلي؟ يبدو أحياناً وكأن هذين العالمين مترابطان عكسياً مع بعضهما تقوية أحدهما تقتضي ضمناً إضعاف الآخر.