هناء الحمراني
الغيرة شعور يبدأ داخل نفس الإنسان نتيجة رؤيته لإنسان آخر يحمل مميزات معينة، وينعكس هذا الشعور على سلوكه عندما يتعامل مع هذا الآخر. وقد يكون الانعكاس بسيطًا فيحدث نفور أو جفاء في التعامل، وربما يتعدى ذلك ليتحول إلى ابتعاد من جهة الشخص لكيلا يتعامل معه، أو إقصاء للآخر. ويزداد الأمر سوءاً عندما تبدأ محاولات إزالة أو إبعاد الطرف الآخر من المحيط الذي يعيش فيه، وتدمير مستقبله المهني!
قد نمتلك المميزات التي تثير غيرتنا من الآخرين، وقد لا نمتلكها. قد نستطيع الحصول على مثلها، وقد لا نستطيع. قد يكون لدينا أفضل منها بكثير، وقد لا يكون. إذن هي لا تتعلق بتوافرها لدينا، إنما تتعلق بتوافرها لدى الآخر، وأنها تعجبنا ونراها مميزات، بل يمكننا أن نقول بأن الغيرة تنتج عن وجود شخص تعجبنا صفاته أو بعضها، ويسوؤنا أنه يمتلكها!
يمكن وصف الغيرة بالأفعى التي إن لم يفطن الشخص إلى اقترابها فستلدغه، وعندها سيكون إخراج السم من الجسد أشد صعوبة من تجنب لدغتها في المقام الأول، إن التعامل مع الغيرة قبل وقوعها أمر ممكن، ويبدأ بإدراك ما هي الغيرة، وما أسبابها، وإلى أي مدى هي خطرة.
أسبابها كثيرة، ولا أقصد العوامل البيئية التي أدت إلى حدوثها، وإنما أقصد طريقة التفكير التي نستخدمها والتي تتسبب في شعورنا بالغيرة؛ فمن منا لم يشعر بالغيرة من قبل؟ والفرق بيننا وبين غيرنا هو التفاوت فيما يثير غيرتنا، وفي مستوى النضج والوعي الذي يمتلكه كل منا في معالجة هذا الشعور، وإظهاره للآخرين من عدمه. ويعود دافع الغيرة المرضي من وجهة نظري المتواضعة إلى عقلية الندرة، والأنا العالية؛ فعقلية الندرة تقول بأن المميزات والصفات محدودة، وأن امتلاكها من قبل شخص يعني أنها ليست لدى الآخر. أما الأنا العالية فهي تقول بأن هذه المميزات يجب ألا تكون لأحد سواي، فأنا العريس في العرس، وأنا الميت في الجنازة! قد تجتمع عقلية الندرة والأنا العالية في شخص واحد، وقد يكون منشأ الغيرة أحدهما فقط. ولمعالجة عقلية الندرة لابد أن يصل المرء إلى قناعة بأن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق، وأنه كريم يعطي من سأله، وأنه هيأ في هذه الأرض الأسباب المؤدية للوصول إلى ما نريد الوصول إليه من مكارم وأموال ومميزات، فما علينا إلا السعي بالعمل الجاد الصادق للوصول إلى ما وصلوا إليه، وأن ما لا يمكننا الحصول عليه هو فضل من الله يؤتيه لمن يشاء، ولا حكم لنا في ذلك، أما الأنا العالية التي لا تقبل إلا بأن يكون كل شيء لها، فتلك معالجتها أشد وأصعب، ويحتاج صاحبها إلى ترويض نفسه وتذكيرها بأن من أعطى قادر على المنع، وأن يتأمل ذاته فيجد فيها من المميزات ما لا يوجد لدى غيره.
الغيرة آفة العمل والطموحات، والمشاريع الكبرى، ومهما اختلفت الدوافع فإن نتائج الغيرة تفسد حياة الشخص، وقد تفسد حياة الآخرين، وتفسد البيئة المحيطة، وتعرقل المنجزات في بيئة العمل والمشاريع، ولو نظرنا بتجرد وحرص على مصلحة أنفسنا، ومصالح الآخرين، لوجدنا أن النجاح ليس نتيجة عمل فرد واحد، بل هو نتاج عمل جماعي؛ إذ إننا لا نستطيع القيام بكل شيء وحدنا، ووجود أشخاص جيدين حولنا يمكنه أن يحسن حياتنا، وقدرتنا على الإنجاز وتحقيق النجاحات الكبرى، وأن معادلة أنا أنجح، أنت تنجح هو ما نحتاجه من أجل السعادة والنمو، والراحة النفسية، وسلامة الإنسان.
والمضحك والمبكي في موضوع الغيرة، هو أننا نكره الشخص الذي يمتلك الصفات التي نحبها، وبدلًا من أن نكون أصدقاء، أو زملاء عمل متكاملين، فإننا نخلق عداوات لا مبرر لها، ونحيط أنفسنا بأشخاص لا يشبهوننا لمجرد أنهم أقل منا، ونشعر بالأمان لعدم تميزهم علينا!
غبطة الآخرين، والشعور بالسعادة لأن هناك أشخاصاً جيدين قريبين منا هو أحد خطوات معالجة الغيرة، والدعاء لهم بالبركة يساعد على إبعاد الأفعى قبل انقضاضها. واليقظة والجدية في تحسين الذات وتطويرها، والانفتاح على الحياة والفرص المتنوعة فيها يجعل مخاوفنا من فقدان قيمتنا أو مناصبنا يتلاشى، ويمكننا من أن نركز على ما نستطيع القيام به من أجل أنفسنا وأسرنا، والمنشآت التي نعمل فيها، والأوطان التي نعمرها، وبدلًا من أن نخشى احتلال الآخرين لمناصبنا، نصبح أكثر حرصًا على ترك أماكننا لغيرنا، لأننا بتوفيق الله، ثم حسن إدارتنا لمسيرتنا المهنية نعمل في الوقت ذاته على أن نكون في مكان أفضل.