ناهد الأغا
قال ابن قتيبة: في كتابه «عيون الأخبار»:
الشعرُ معدنُ علم العرب وسفرُ حكمتها وديوان أخبارها ومستودعُ إمامها؛ فالشعر ذو أهمية كبيرة كونه استوعب كافة خصائص الأصل العربي وأحاط بجلّ مادة العرب اللغوية..
حديثي اليوم عمن استوعب كافة خصائص الأصل العربي وأحاط بجلّ مادة العرب اللغوية؛ وبرع في فروع الأدب وغاص في مكنوناته فتوصل إلى رؤية مميزة في الحداثة والتجديد؛ إنه الشاعر أحمد بن عائل فقيهي..
ابن المملكة العربية السعودية الذي يعد من أوائل الشعراء الذين طوروا الشعر الحديث في المملكة العربية السعودية فكانت أولى قصائده في أواخر السبعينات والتي تحمل عنوان: (الفجر الأخضر) وقد أظهر فيها جماليات القصيدة الحديثة التي أخرجها عن النمط التقليدي فكانت نهراً دفاقاً في عالم الشعر وقوس قزح ثابت في سماء الأدب السعودي ونسائم لطيفة تداعب خط سير من يريد أن يتعلم صياغة القصائد من الشعر المجدد والمتجدد..
أحمد عائل فقيهي ناقش العديد من النقاد تجربته الشعرية وأقروا بأهمية هذا التجديد الحداثي في الشعر العربي عامة والسعودي خاصة والذي تطور عنده إلى كل فنون الأدب من (قصة ورواية ومقالة) واعترفوا أنه تجديد واسع على المستوى الفكري والثقافي؛ هذا التجديد لم يكتف به في الأدب فحسب بل كان يدافع عن الحداثة والتجديد حتى في الخطاب الديني حيث عدّه لا يحمل عمقاً فكرياً، فهناك دعاة ليسوا مفكرين في هذا الخطاب ويجب تثقيفهم وتوجيههم إلى ما ينفع صلاح الأمة..
نجح أحمد عائل فقيهي في مطلع الثمانينات على تبني مشروع التجديد والتنوير بكل عزم وإيمان على أنه العمل الأدبي الذي يجب ألا يبقى في حالة متجمدة تتعلق بحبال الماضي الكلاسيكية، بل على الإنسان المثقف أدبياً أن يواكب التطور والحداثة في كل مجالات الحياة وأهمها الحياة الفكرية، انتشرت أعماله الأدبية محلياً وعربياً وذاع صيته فشارك في العديد من المهرجانات الشعرية والثقافية والعربية كمهرجان المربد ومهرجان جرش ومهرجان بابل الثقافي في بغداد ومهرجان الجنادرية في المملكة وقد كرمته الكثير من المؤسسات الثقافية وحصل على جوائز متعددة؛ ولا يمكن أن تُنسى (مجموعة رداء على صدر الزمان) الصادر عن مركز الأدب العربي التي قدمها للمكتبة الشعرية والأدبية مع عدد ليس بالقليل من أعماله المميزة في الحداثة والتجديد.
هذا الشاعر المتميز الذي جمع إلى جانب موهبته الإبداعية وعياً ثقافياً وفنياً رفيعاً ساقه إلى العمل في الصحافة فتحلت الصحافة بنبل أخلاقه وصدق مشاعره فهو صاحب الكلمة الحق دون نفاق أو إسفاف..
رحل صاحب الشخصية الأدبية ذات الأسلوب الشعري المتميز صاحب المشاعر الإنسانية الذي تحدث عن وجدان غاية في رهافة الحس ورقة القلب بما سكب من بلاغة في الألفاظ وجمالية في المعاني؛ رحل بعد معاناته الطويلة مع المرض واستقر في عالم الخلود وترك إرثاً عظيماً باقياً في نفوس أبناء المملكة العربية السعودية ومكتباتها مفتخرة بما قدمه هذا الشاعر الفذ بأفكاره وتجديده وتنويره في القضايا الثقافية، وقد تموسق رنين حرفه ودغدغات عباراته أقلام الناشئة ليستنيروا بما قدم من إبداعات تسقي أغصانهم ماء عذب ينفذ إلى سرادق النفس ليزهر ثماراً يانعة تغذي صفحات الأدب في قادم الأيام..
رحم الله الشاعر أحمد عائل فقيهي وأسكنه فسيح جناته.