د. أحمد محمد القزعل
يجب على الأمّ توجيه ابنتها قبيل الزّواج إلى آداب المعاشرة والطّاعة، ولعلّ في وصية أمامة بنت الحارث لابنتها كلّ الخير، فقد قالت: «أي بنيّة! إنّك فارقت الحواء الّذي منه خرجت وخلّفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه إيّاك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً. أي بنيّة! احفظي له عشر خصال يكن لك ذخراً وذكراً، فأمّا الأولى والثّانية: الصّحبة له بالقناعة والمعاشرة بحسن السّمع والطّاعة. وأمّا الثالثة والرّابعة: التّعهّد لموقع عينيه والتّفقد لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منك على قبيح ولا يشمّ منك إلّا أطيب الريح. وأمّا الخامسة والسّادسة: فالتفقد لوقت طعامه والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النّوم مغضبة. أمّا السّابعة والثّامنة: فالاحتفاظ بماله والإرعاء على حشمه وعياله؛ لأن الاحتفاظ بالمال من حسن الخلّال ومراعاة الحشم والعيال من الإعظام والإجلال. أمّا التّاسعة والعاشرة: فلا تفشي له سرّاً ولا تعصي له أمراً، فإنّك إن أفشيت سره لم تأمّني غدره وإن عصيت أمره أوغرت صدره. ثمّ اتّقي- مع ذلك- الفرح بين يديه إذا كان ترحاً والاكتئاب عنده إن كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التّقصير والثّانية من التّذكير، وكوني أشدّ ما تكونين له إعظاماً يكن أشدّ ما يكون لك إكراماً، وكوني أكثر ما تكونين له موافقة، يكن أطول ما يكون لك مرافقة، واعلمي أنك لا تصلّين إلى ما تحبين حتى تؤثّري رضاه على رضاك وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت «(الألوسيّ، محمود شكري بن عبدالله البغداديّ الألوسيّ، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، دار الكتب العلميّة، القاهرة، ط1، 1415هـ/1995م، الجزء:2، الصّفحة:19) .
فهذه الوصيّة تشكل إطاراً لكيفيّة التّعامل مع الزّوج بشكل يضمن وجود علاقة زوجيّة مستقرّة وسعيدة، فالصّحبة له بالقناعة تعني أن تكون الزّوجة قانعة وراضية بما يقدّمه لها زوجها دون تذمّر أو طمع فيما لا يقدر عليه ممّا يسهم في خلق جو من الرّضا والهدوء في العلاقة، وضرورة أن تسمع الزوجة لزّوجها وتحترم قراراته وتوجّهاته مع إظهار الطّاعة والاحترام له بما لا يتعارض مع القيم والمبادئ الدّينيّة والأخلاقيّة.
والتّعهّد لموقع عينيه يعني اهتمام المرأة بالمظهر الخارجيّ أمام الزّوج، بحيث لا يرى منها شيئاً غير لائق أو غير جميل، والتّفقد لموضع أنفه من خلال المحافظة على النّظافة الشّخصيّة ورائحة الجسد الطّيّبة واستخدام الرّوائح الطّيّبة حتّى لا يشمّ الرَّجل من امرأته إلّا كلّ ما هو طيب، ولا بدّ من الحرص على توفير الطّعام في الوقت المناسب، بحيث لا يشعر الرَّجل بالجوع، لأنّ الجوع قد يسبب له الانزعاج والغضب، وتوفير بيئة هادئة له أثناء نومه لضمان راحته، ذلك أنّ الجوع قد يؤدّي إلى العصبيّة والاضطراب وإزعاج النّوم قد يجعله غاضباً وغير مرتاح.
وتراعي الوصيّة جانب المحافظة على أموال الزّوج وعدم تبذيرها وإدارتها بحكمة والاهتمام بخدمه وأفراد أسرته ورعايتهم، ذلك أن محافظة الزّوجة على مال زوجها من حسن الخلّال ويعكس حسن الأخلاق والتّدبير والاهتمام بأهل الزّوج وخدمه يعبر عن احترام الزّوج وتقديره.
وتظهر الوصيّة أهميّة محافظة الزّوجة على أسرار زوجها ولا تفشيها لأحد؛ لأنّ إفشاء الأسرار يمكن أن يؤدّي إلى فقدان الثّقة، وإلى ضرورة الطّاعة للزّوج فيما لا يتعارض مع الشَّرع؛ لأنّ عصيانه قد يؤدّي إلى الخلاف وإن إفشاء الأسرار يمكن أن يؤدي إلى رد فعل سلبيّة من الزّوج مثل الغضب أو الانتقام ومخالفة أوامره قد تثير غضبه وتسبّب خلافات في العلاقة الزوجيّة.
كما بيّنت الوصيّة ضرورة تجنب إظهار الفرح أمام الزّوج إذا كان حزيناً أو مكروباً؛ لأن ذلك قد يُعد عن عدم الاهتمام بمشاعره، وعدم إظهار الحزن أو الكآبة عندما يكون الزّوج سعيداً؛ لأن ذلك قد يُفسّر بأن الزّوجة لا تريد مشاركة زوجها في سعادته، وعندما تكون الزّوجة أشدّ إعظاماً لزوجها سيكون الزّوج أشدّ ما يكون لها إكراماً، والمرأة لن تصل إلى ما تحبّ وتحقّق السّعادة في العلاقة الزوجيّة حتّى تفضل رغبات زوجها ورضاه على رغباتها الشّخصيّة ممّا يعزّز من التّرابط والمحبّة بينهما.
ويمكن القول: إنّه في كلّ أسرة يجب بناء هيكليّة قويّة الرّكائز تضم أفراد الأسرَّة جميعاً؛ لأنّ الأسرَّة مؤسّسة تربويّة صغيرة تحقّق السعادة والخير عموماً من خلال نظام الحوار الهادّف والتّعبير عن المشاعر والخواطر للوصول إلى نتائج ايجابيّة في هذه الأسرَّة وتجنّب كافّة المصاعب الّتي قد تعترض مسيرة الأبناء مستقبلاً.