د. محمد بن أحمد الصالح
{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (23) سورة الأحزاب، {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي} (27-30) سورة الفجر.
لقد غاب القمر وشعرت أسرة التويجري والصالح بزلزال عميق خشعت له القلوب وذرفت له العيون فلله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده لأجل مسمى، إن الإنسان مهما أوتي من القدرة على البيان والتعبير عما في الوجدان تأتيه ساعات ينعقد فيها اللسان وتتعثر فيها الكلمات ولا سيما مع عظم الخطب وهول الفاجعة عندما يرحل رجل عاش وعشنا سوياً، وذلك عند ورود النبأ الأليم الذي هز المشاعر واعتصر القلوب وذرفت لهوله العيون، ذاك النبأ هو رحيل الرجل الفاضل الذي أمضى عمره صادقاً أميناً، ومخلصاً متألقاً في خدمة دينه ووطنه، محباً لدولته، والذي اتسع قلبه الكبير للناس كل الناس، والذي عرف بصفاء نفسه وصدقه ونقاء سريرته، وحديثه الذي يجري على سجيته دون تكلف ، وبساطته وتواضعه وعطفه ورحمته وحنوه على الفقراء والمحتاجين واهتمامه بقضايا المرضى.
غاب عن دنيانا كوكب الشرق رجل المروءة والحياء والخلق الرفيع، غاب عن دنيانا البر الرحيم الذي وسع الناس بحلمه وخلقه وشمل الجميع برجولته وحسن سمته. غاب عن دنيانا الرجل المتميز بحزمه وعزمه الذي وسع الناس كلهم بلطفه وحنيته.
رحل عن دنيانا الحليم الحكيم الطبيب الإنسان الذي طالما نفس كرب المكروبين وعجل الشفاء للمرضى.
غاب عن دنيانا الرجل الصابر المحتسب الذي وسع الناس بعلمه وخلقه وحسن معاملته.
غاب عن دنيانا رجل الصلاح والتقوى والهدى والبر الرجل الذي يصدق عليه صلة الرحم ونصرة الضعيف، وتفريج الهم وتنفيس الكرب الطبيب الإنسان.
غاب عن دنيانا الاستشاري الجراح الذي ملك القلوب والأرواح فهو جراح مهنياً وجراح اجتماعياً كالزجاجة المضيئة في انارة الطريق لابنائه وإخوانه بالتوجيهات والنصائح ومداواة ما يكتنف العلاقات الأسرية والاجتماعية من مشكلات، عف اللسان حنون يفرض احترامه ومحبته على الجميع، ويصدق عليه:
حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ، إذا افتُدِحُوا
حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ،
لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
هُوَ البَحرُ مِن أَيِّ النَواحي أَتَيتَهُ
فَلُجَّتُهُ المَعروفُ وَالجودُ ساحِلُه
كَريمٌ إِذا ما جِئتَ لِلخَيرِ طالِباًّ
حَباكَ بِما تَحوي عَلَيهِ أَنامِلُه
وَلَو لَم تَكُن في كَفِّهِ غَيرُ نَفسِهِ
لَجادَ بِها فَليَتَّقِ اللَهَ سائِلُه
هذا هو ابني ومهجة روحي الدكتور خالد بن عبد المحسن بن محمد التويجري والدته حصة بنت حمد بن عبد المحسن التويجري، فهو معم في العشيرة مخولي.
هذا الرجل المتميز بسلوكه وخلقه الذي يسابق في الخيرات، ويقابل السيئة بالحسنة الرجل الكريم الذي لا يكاد له مثيل بين زملائه ونظرائه؛ فطالما أدخل السرور على الكثير من المرضى وأسهم في تعجيل الشفاء، هذا الرجل الذي لا يتبع ما ينفق منا ولا أذى، هذا الرجل الذي ينشر المحبة والمودة بين الناس ويعمل جاهداً على إسعادهم.
رجل القيم والمثل العليا الذي يظهر الحسنات ويعفو عن السيئات ويعمل على إحقاق الحق وإزهاق الباطل، والذي اختط منهجاً قويماً لحياته وشد الناس إليه بحسن معاملته فترى الناس زحاما في عيادته، جزاه الله عن القليل كثيراً ورفع درجاته في الخالدين، وأعد له جنات تجري من تحتها الأنهار، وبوأه مبوأ صدق ونصره بين عباده المتقين.
قاد مسيرة حياته بأناة وخبرة وجلد متجنباً الأضواء ما وسعه ذلك. إنسان يتميز بصفات فريدة قد لا تتوفر في جيله فقد عرف عنه تدفق الفكر وعمق الثقافة والإنسانية والتواضع والتواصل، والرغبة في الخير لكل الناس.
ويؤثر القراءة في شتى العلوم والمعارف كريم الأخلاق مثالاً للعطاء المتدفق والمتميز فهو من الرواد الذين من الصعوبة بمكان تعويضهم لشمولية علمهم وعصاميتهم في حياتهم وما كابدوه في مسيرتهم العلمية والعملية، فضلاً عن ثراء عطائهم.
وكان يردد قول يوسف عليه السلام: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}، وهو يعني بهذا مملكته المتمثلة في أبنائه الكرام البررة: د. محمد، وسارة، وعبير، ونوف وكلهم قد تعلموا وتخرجوا في الجامعات وترقوا في أعمال يخدمون فيها الأمة وهم على جانب من الصلاح والرشد والاستقامة والبر بوالديهم وكل من يتعامل معهم ولا ننسى حرمه المصون ابنتي وقرة عيني آمنة حيث كانت مثالاً في الجد والصدق والصبر والبر وإكرام الناس كل الناس، وفي غاية الإجلال والاحترام لزوجها الذي صحبته أكثر من ثلاثين سنة لم تختلف معه أو يختلف معها، وأني لأقدم خالص العزاء وصادق المواساة لإخوانه محمد، وجمال، ووليد، وباسل، وياسر، مازن، وطيب وأسرة التويجري والصالح.
وأضرع إلى المولى القدير أن يسبغ شآبيب الرحمة على روحه ويجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، اللهم كفر سيئاته وأعلي درجاته وضاعف حسناته.
وأرجو أن يتحقق له ما قاله الحق تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ، ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ}، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا .
{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}. اللهم اجعله منعما فيها وأظله في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك.
إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا خالد لمحزونون.