د. محمد عبدالله الخازم
لا تعمل الجامعات السعودية، وبالذات الحديثة منها على تأسيس برامج إسكانية (إسكان) لطلابها وطالباتها. يقولون في (إستراتيجياتهم) بأن الطالب له الأولوية في الجامعة ولا يجهلون أهمية السكن الجامعي وضرورته في حياة الطالب الجامعي وبناء شخصيته وثقافته واستقلاليته. يعجبون بالجامعات العالمية وإسكان الطلاب أحد معايير تميزها. يرحبون بالحراك الطلابي بين مناطق المملكة ومع الخارج ويهتمون بالتصنيفات العالمية وحياة الطلاب أحد أهم معاييرها.
رغم ذلك يبنون مساكن للأساتذة ويتجاهلون مساكن الطلاب. حتى الجامعات والكليات الأهلية تغافلت بشكل كبير موضوع سكن الطلاب، رغم أنه يفترض أن يكون إحدى نقاط قوتها في استقطاب الطلاب، بل ويفترض أن يكون أحد شروط تأسيسها!
لا أريد الاسترسال بإقناعكم بأهمية السكن الجامعي للطالب ولو كانت جامعته في آخر الشارع، كضرورة تساهم في تعلّم الاستقلالية وبناء الذات والتطوير الاجتماعي والقيمي ... إلخ. فما بالنا بطلاب وطالبات يدرسون خارج مدنهم ويعانون - كثيراً كثيراً- في هذا الجانب. لنسرد المسببات ونقترح الخيارات.
لماذا أوقف/ عطل/ لم يؤسس الإسكان الطلابي في الجامعات؟
1 - أسباب تم تجاوزها كمخاوف. قصة إيقاف إسكان جامعة الملك سعود لسنوات عديدة قبل إعادته توضح تلك المخاوف وبعض تفاصيلها مدونة في كتابنا «اختراق البرج العاجي».
2 - أسباب تشغيلية وإدارية. لمست ذلك وأنا أملك تجربة السكن كطالب في جامعات سعودية وأجنبية. الجامعات السعودية تعاني في إدارة السكن الجامعي وتشغيله وصيانته، لذا لا غرابة في اعتباره (كابوساً) مزعجاً..
3 - وجود ضعف في صناعة وتطوير سياسات/ أنظمة التعليم الجامعي بصفة عامة. التشبث بسياسات وأفكار تجاوزت أربعة عقود من الزمن ومحاولة تعميم فكرة واحدة على الجميع يعيق التطوير الجامعي، بما في ذلك تطوير نماذج جديدة في موضوعنا، الإسكان الجامعي.
4 - الكلفة المادية ولا يبدو الأمر مقنعاً، دائماً. كانت الموارد ضخمة، بنيت مساكن الأساتذة والملاعب والفنادق وغيرها. كما أن البدائل متوفرة لكنها مغيبة ربما للمسببات أعلاه.
هل هناك حلول بديلة؟
قبل طرح الحلول، نشير إلى أن هناك نموذجين من إسكان الطلاب، وفق التجارب العالمية، إسكان يدار عن طريق الجامعة/ ضمن مقراتها (On-campus) وهو المعتاد محلياً. والنموذج الآخر خارج مقرات الجامعة أو لا يدار عن طريق الجامعة (Off-campus housing) وهو المغيب محلياً ولعله مناسب تبنيه في الوقت الراهن، حيث لا يبدو الأمر مواتياً للجامعات بناء وإدارة مساكن طلابية تخصها، للأسباب أعلاه وغيرها.
نحتاج لدعم القطاع الخاص أو التعاوني أو غير الربحي لبناء مجمعات مساكن طلابية للجنسين في كل مدينة، دعم تشريعي ومادي لتقليص كلفته على الطلاب. وزارة التعليم والجامعات يمكنها دعم هذا النموذج تنظيمياً عبر تأسيس/ إيجاد ضوابط اعتماده ومادياً عبر شراء/ دعم الخدمة.
يمكن تأسيس مجمعات إسكان طلابية تساهم فيها الجامعة بالأرض، حيث تتوفر لديها أراض يمكن الاستفادة منها وإذا لم يتيسّر ذلك يمكن التنسيق مع أمانات المدن في هذا الشأن. استثمار أراض الجامعة لغرض بناء مساكن الطلاب ليس مجرد فكرة استثمارية، بل تأكيد على الالتزام الأدبي بتسهيل حياة طلابها وتطوير القيمة المضافة - علمياً واجتماعياً وثقافياً- لتعليمنا الجامعي.
الخلاصة، نحتاج إلى إسكان طلابي في كل مدينة يخدم طلاب وطالبات الجامعات - ومن في حكمهم- وفق أسس آمنة تحقق الاحتياجات، بكلفة رمزية مناسبة للطلاب. عندما يوجد مجمع سكني طلابي في المدينة يسهل بعد ذلك إيجاد نقل ترددي للجامعات والكليات في المدينة. علينا طرد المخاوف المتوارثة حول الإسكان الطلابي والتفكير خارج الصندوق في صنع سياسات متطورة في هذا الشأن.