طلال حسين قستي
انطلاقاً من خطط وبرامج رؤية المملكة 2030 الخاصة بالصحة والسياحة وجودة الحياة، وبمناسبة قرب انعقاد ملتقى الصحة العالمي بالرياض في 21 من هذا الشهر أكتوبر 2024 ، واستناداً إلى فعاليات ملتقى السياحة السعودي الذي انعقد في شهر يناير من هذا العام وتناول أفكاراً عامة حول آخر اتجاهات السياحة السعودية، والترويج للوجهات السياحية والخدمات المقدمة، وانسجاماً مع هذا الاهتمام الرسمي والأهلي بالربط بين السياحة والصحة أتساءل:
هل يمكن النظر أو حتى التفكير الجاد من أصحاب الشركات الصحية الكبرى والمدعومة من الحكومة في إقامة منتجعات صحية في المواقع السياحية وما أكثرها في بلانا؟
واقع الحال يؤكد على إمكانية ذلك، وبصورة تفوق ما لدى دول أخرى في المنطقة، فلماذا يتجه من يبحث عن منتجعات صحية ذات طابع سياحي إلى الذهاب إليها خارج المملكة الأمر الذي سيرهقه مالياً واجتماعياً، بينما مواقع المناطق السياحية لدينا تمتلك طيلة أيام العام من المزايا ما يجعلها سياحة مشمولة بالرعاية الصحية وهو في ديرته وبين أهله.
وإذا نظرنا إلى حقيقة متطلبات الباحثين عن النقاهة أو الاستشفاء في أجواء طبيعية، فلا شك أن العديد من بلدان العالم تروج بكل الوسائل لما تمتلكه من منتجعات، ولدى وكالات السفر والسياحة كافة المعلومات التي تشجع على ارتياد هذه المنتجعات، وقد تمنى الكثير ممن تعاملوا معها أن يوجد مثلها في بلادنا، بل ويفوقها.
فالملاحظ في وضع هذه المنتجعات العالمية ذات التكلفة المالية العالية، أنها تجمع بين السياحة والرعاية الصحية، وأهم ما يميزها ويشجع على ارتيادها أنها تقع في مناطق تتمتع بطبيعة وأجواء مناخية معتدلة وقريبة من المدن السياحية.
وبلادنا التي تمتلك أماكن ذات طبيعة جميلة، وأجواء معتدلة، يمكنها أن تنافس المنتجعات السياحية الموجودة في الخارج، ومن يطالع خريطة المملكة يمكنه أن يلاحظ بسهولة أن هناك العديد من مناطق المملكة تتمتع بالمزايا التي يمكن معها إقامة منتجعات صحية متكاملة وسط بيئات طبيعية يسهل الوصول إليها براً وجواً وبتكلفة تقل كثيراً عن المنتجعات الخارجية.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، وجود العديد من الأماكن التي تصلح لإنشاء مثل هذه المنتجعات في منطقة عسير، فلدينا «السودة» و»النماص» و»ومحايل عسير»، وفي منطقة جازان هناك العديد من الأماكن السياحية الصالحة لإنشاء منتجعات سياحية فيها، سواء الأماكن الجبلية التي ترتفع عن سطح البحر بما يقارب 800 متر، أو منطقة العيون الحارة أو جزيرة فرسان، كما تتوفر هذه المزايا في منطقة الباحة التي تعد من أهم مصايف المملكة، حتى إنهم يسمونها «سويسرا الشرق» لجمال طبيعتها واعتدال مناخها، ويرتادها السياح من داخل المملكة وخارجها، وبخاصة الأخوة من دول الخليج العربي، ففيها «غابة رغدان» التي تعتبر من أشهر الغابات في المنطقة العربية، وفيها جبل «شدا الأعلى» وغيرها من الأماكن التي لا يتسع المجال لذكرها.
وفي منطقة مكة المكرمة، هناك «الطائف» هذه المدينة الجميلة وأشهر مصيف منذ القدم، فمناخها المعتدل وطبيعتها الخلابة ووفرة منتجاتها الزراعية التي تحظى بسمعة ممتازة خاصة الفاكهة المشهورة بجودتها كالرمان والتوت والخوخ والعنب والتين، ويزرع فيها الورد الطائفي الشهير الذي يعتبر مصدراً لصناعة العطور، بالإضافة إلى سهولة الوصول إليها من مكة المكرمة شرّفها الله التي يقصدها الملايين كل عام، وفي الطائف أماكن مميزة كمنطقتي «الهدا» و»الشفا» وهما من المناطق النموذجية لإقامة منتجعات صحية، كما تعتبر «العلا» من المناطق المتميزة إلى جانب منطقة البحر الأحمر وغيرها من الأماكن السياحية التي تصلح للمنتجعات الصحية حسب تقديري.
والسؤال الآن: هل يمكن أن ندعم برامج «جودة الحياة» التي تضمنتها رؤية 2030 بإنشاء منتجعات تجمع بين الرعاية الصحية والسياحة.
الإجابة بالتأكيد: نعم، نستطيع ذلك من خلال اهتمام كبار المستثمرين في المجال الصحي خاصة الكيانات الصحية الكبرى، ومن خلال التنسيق بين وزارتي الصحة والسياحة يمكن أن نقتحم هذا المجال من أجل وضع المملكة ضمن خارطة الدول التي تمتلك منتجعات صحية تخدم من يحتاجها من كبار السن وحتى الشباب، كما أنها ستزيد من أعداد الزوار من داخل المملكة وخارجها إذا ما أنشئت على أسس عالمية راقية كما هو متوفر في المنتجعات بالدول الأخرى.
فبالإمكانات المالية والمواقع المتميزة التي تقوم عليها مثل هذه المشاريع، سيفضل المواطن والمواطنة أن يقصد المنتجعات السعودية بدلاً من السفر إلى الخارج وما يترتب عليه من تكاليف مالية مرهقة، وفى تصوري أنه يمكن عقد ملتقى برعاية وزارتي الصحة والسياحة تحت عنوان (منتجعات صحية - سياحية سعودية) كمرحلة أولى لدراسة إنشاء هذه المنتجعات بمواصفات عالمية، ومن المؤكد أن هذه المشاريع سيكون لها فوائد اقتصادية واجتماعية، إضافة إلى فتح مجالات جديدة لتوظيف المواطن والمواطنة، والإسهام في الجذب السياحي للمملكة - بإذن الله.
** **
- رئيس تحرير مجلة « المبتعث» بأمريكا سابقاً