د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
في ظل التطور المتسارع والتحديات المتصاعدة التي يشهدها قطاع الأمن السيبراني عالميا، أظهر تقرير للأمم المتحدة ظهر حديثا عن الأمن السيبراني في أن السعودية حققت نسبة 100 في المائة في جميع معايير المؤشر الذي شمل 83 مؤشرا فرعيا، وهو ما يضع السعودية في مصاف الدول الرائدة عالميا في مجال الأمن السيبراني، متفوقة على 190 دولة عضوا بالأمم المتحدة، وفي يونيو 2024 حققت السعودية المرتبة الأولى عالميا في مؤشر الأمن السيبراني وفق الكتاب السنوي للتنافسية العالمية لعام 2024، بعد أن حققت المركز الثاني في 2023، وتتبوأ المرتبة الأولى في الوطن العربي والشرق الأوسط وقارة آسيا وفقا للمؤشر العالمي للأمن السيبراني، وقفزت السعودية 11 مرتبة عن عام 2018، وبأكثر من 40 مرتبة منذ إطلاق الرؤية، حيث كان ترتيبها 46 عالميا في نسخة المؤشر عام 2017.
يعود هذا التفوق إلى استراتيجية السعودية الشاملة للأمن السيبراني التي ركزت على تحقيق التوازن بين الحوكمة المركزية والتشغيل اللامركزي، كما ساهمت الاستثمارات الكبرى في بناء القدرات الوطنية، وتطويرا القدرات المتخصصة في تعزيز الأمن السيبراني، خصوصا وان السعودية مستهدفة بشكل مباشر أكثر من أي دولة، وحققت خلال العامين الماضيين طفرات كبيرة في مجال الأمن السيبراني.
وأنشأت الدولة مركزا وطنيا للأمن السيبراني، ليكون المرجع الوطني في شؤون الأمن السيبراني لحماية المصالح الحيوية للدولة وأمنها الوطني والبنى التحتية الحساسة والقطاعات ذات الأولوية، والخدمات والأنشطة الحكومية، وكذلك تبني مجموعة من السياسات كبيرة جدا، مثل تصنيف البيانات، الحوسبة السحابية، وحماية البيانات، بالإضافة إلى القوانين التي يتم تطبيقها، وتعمل على تحفيز نمو القطاع وتشجيع الابتكار والاستثمار فيه، وإجراء الدراسات والبحوث والتطوير، وقام المركز بتطبيق معايير دولية، بل بسعودتها لأهميتها الأمنية، وحتى تكون معيارا وطنيا يتم الأخذ به في بقية المؤسسات الموازية في القطاع العام والخاص، حتى بلغ عدد كوادر الأمن السيبراني في السعودية 19.6 ألف مختص، وتمثل المرأة فيه أكثر من 32 في المائة، وهو ما يتجاوز المعدل العالمي لمشاركة المرأة بالعمل في قطاع الأمن السيبراني الذي يبلغ قرابة 25 في المائة.
لن تتوقف السعودية فيما حققته من تقدم في الأمن السيبراني، بل تسعى نحو تحقيق تفوق أكبر، لأنه كلما زاد الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات وعلى تطبيقات التحول الرقمي المختلفة، ظهرت الحاجة إلى تعزيز معايير الأمن السيبراني على المستويات الوطنية، خصوصا مع تزامن التحديات المختلفة التي يشهدها القطاع عالميا.
استضافت الرياض النسخة الرابعة من المنتدى الدولي للأمن السيبراني بتاريخ 2،3 أكتوبر 2024 تحت شعار تعظيم العمل المشترك في الفضاء للأمن السيبراني، ولطالما كانت السعودية منذ تأسيسها قوة خير لكل ما فيه صالح البشرية ورخاء الإنسان حول العالم، لتعزيز التعاون الدولي لمواجهة القضايا الملحة في الفضاء السيبراني بمشاركة أبرز الجهات الدولية من 120 دولة ذات العلاقة، لوقوف السعودية على أحدث التطورات في هذا المجال، وبشكل خاص في مجالات خمسة فيما يتعلق بتجاوز التباينات السيبرانية، وإسهامه في التنمية الاقتصادية، والبنية الاجتماعية في الفضاء السيبراني، إلى جانب السلوكية السيبرانية، وآليات الاستفادة من التقنيات الصاعدة في دفع التقدم والابتكار، من أجل بناء فضاء سيبراني آمن، خصوصا وان تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024 أظهر وجود فجوة متزايدة في المرونة السيبرانية بين الشركات الكبرى والشركات الصغيرة والمتوسطة، الأمر الذي يدعو إلى أهمية تكثيف الجهود العالمية لمعالجة هذه الفجوة الرقمية، لما للفضاء السيبراني اليوم من ارتباط وثيق بنمو الاقتصادات، وازدهار المجتمعات، وبأمن الأفراد، واستقرار الدول، وما يتسم به من طبيعة متجاوزة في تأثيرها للحدود.
حيث تركز السعودية على الاستثمار في الإنسان بهذا القطاع الحيوي والواعد، فمنذ عام 2020 أطلقت السعودية مبادرتين عالميتين؛ الأولى تعني بحماية الطفل والثانية بتمكين المرأة في مجال الأمن السيبراني، تحت إشراف مؤسسة المنتدى الدولي للأمن السيبراني لتنفيذ مشروعاتهما، أتت ثمارها أهمها ما تم اكتسابه من فهم شمولي للحاجات على مستوى العالم.
أصبحت إدارة المخاطر السيبرانية أكثر تعقيدا وإلحاحا، من أجل تعزيز دفاعات الدول في مجال الأمن السيبراني، بسبب العواقب الوخيمة للهجمات مثل الخسائر المالية، وإلحاق الضرر بالسمعة، وانقطاع الخدمة، والتهديدات للأمن القومي، ومع تقدم التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والحوسبة، ويساعد استكشاف تصنيفات الأمن السيبراني باستخدام تحليلات البيانات والتعلم الآلي، تقييم نقاط القوة والضعف في مجال الأمن السيبراني، والمجالات التي تحتاج إلى تحسين، من أجل اتخاذ قرارات تحمي الأمن القومي من خلال تشجيع التعاون الدولي والعمل نحو عالم رقمي أكثر أمانا للجميع.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقا بجامعة أم القرى