محمد بن عبدالله آل شملان
الشعراء والوطن
انطلاقاً من إيمان إنسان هذه الأرض برسالته، وذوباناً في ثوابه، يتجلّى نور المعرفة على جبين هذا الوطن المتداخل فينا، بكل معطياته وموروثاته وخططه المنبثقة من وعي انتماء متجذر لتعاليم السماء.
وحينما نقرأ تفاصيل الحاضر الذي نعيشه، نجد وجه الثقافة يتسيّد أجواء الأرض؛ ليؤكد لها خصوصيتها وخصوبتها، الخصوصية من حيث إننا أمة ذات سيادة ترسخت فينا جذورها واستجاب لها فطرة الحق، فامتزجت بخصوبة في الوعي، وأمل في تحدي كل تحولات الحياة، اعترافاً بإنسان هذه الأرض، بقيمه وثوابته وتعاليمه، وابتهاجاً برسالته الممتدة من آلاف السنين {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (4) سورة الجمعة.
الشعراء والوطن.. هو اتجاه إيجابي يؤكد شمولية فكر العقلية العربية السعودية، التي حاولت في ظل رعاية حانية من قائد المسيرة التنموية خادم الحرمين أن تتخطى جمادية الحياة وتحجّر الرؤى إلى آفاق واسعة من معالم الفكر، منطلقة من تعاليم أساسية راسخة، هي مصدر هذا الفرح الشعري الذي نعيشه، ليؤكد أن إنسان هذه الأرض، المتمثل بشاعرها وكاتب قوافيها وناظم أوزانها، في شمالها وجنوبها شرقها وغربها، أينما يكون فهو في الوطن، لأن الوطن هو العقد المكتمل المتآزر المتوحّد الذي يجمع بين كل الجهات.
سأظل أكتب في حكايات الدنى علَّ الزمان يصون حفظ ودادي
أهديك يا وطني بطاقة عاشق في موسم اللقيا بوقت حصادي
فهنيئاً للوطن بشعرائه.
وهنيئاً لكل الجهات في مملكتنا السامقة.
وهنيئاً لإنسان هذه الأرض.. في الجنوب، في الشمال، في الشرق، في الغرب.. أينما اتجهت بوصلة الثقافة.
افتتاح اللغة الشعرية
لقد قدَّم الآباء المؤسسون سواء المؤسس الإمام محمد بن سعود بن مقرن أو الإمام تركي بن عبدالله آل سعود أو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراهم - لشعب المملكة هدية بالفعل ليست تُهدى ولا تباع، تمثلت في هذه الدولة السعودية التي أبرزت لنا معالم الطريق، وقد خرجت من رحم الفرقة والتشرذم والسلب والنهب التي أحس بمرارتها جميع من اكتوى بنارها في زمن ما قبل التأسيس والتوحيد والوحدة، وجاء الوقت الذي تمكَّنت فيه وسكنت، ونتلمس المشروع البديل في قوة التأسيس والتوحيد والوحدة التي ذاع ظلالها في جميع مسافات الوطن شرقاً وجنوباً وشمالاً وغرباً.
ولم يغادرنا الآباء المؤسسون - طيب الله ثراهم- إلا بعد أن زاد عود التأسيس والتوحيد والوحدة واشتدت صلابتهم واستفاضت جذورهم في قلوبنا، فأصبحوا جزءاً من الهواء الذي نستنشقه كل يوم لنتنفس ونعيش، فنتذكرهم ونتذكر أبناءهم من بعدهم رحمهم الله، بناة هذا الكيان الذي أثمر في غضون سنوات قليلة الحضارة والثقافة والعمران في إنسان المملكة العربية السعودية قبل بنيانها.
هذا الوطن أصبح بحقّ وحقيقة هو أثمن هدية قدمها الآباء المؤسسون لشعبهم ووطنهم، الأنموذج الذي امتدحه المعاصرون من العلماء في مجال السياسة، لأنه ظهر إلى الوجود حين كانت الأمة العربية والإسلامية تعيش التجارب بعد الأخرى لضم الشمل وجمعه، إلا أن جميع المحاولات أضحت بالفشل وكان الخوف من فشل مخطط التأسيس والتوحيد والوحدة كان منطقياً لمن يتمعن بتفاصيل تجربة الأيام الأولى من عمر التأسيس والتوحيد والوحدة، إلا أن إرادة الآباء المؤسسين - طيب الله ثراهم - حالت دون الوقوع في أخطاء التجارب الأخرى، حيث اتفقت العزيمة العليا والإرادة القصوى مع حاجة الشعب إلى التلاحم والتكاتف والانصهار، فكانت النتيجة في تأسيس وتوحيد ووحدةٍ قدمت مصالح المستقبل على المصالح الآنيّة.
لقد قدَّم هذا الوطن لشعب المملكة الكثير وتحققت منجزات من الصعوبة حصرها على العجالة، وجدير بنا أن نحافظ على حسن إطلالة وإشراق وبهاء هدية الآباء المؤسسين الراحلين، ولا ندع مجالاً لتغيير أو إزالة أي جزئية منها، ولا نترك مساحات فارغة يتسلل إليها المغرضون والمتربصون لهذا المنجز البديع والتجربة الفريدة تشكيكاً في قدرته على الاستمرار للمزيد من العطاء البديع، وضمان قوة ولاء وانتماء جميع الشعب لاحتواء أية نبرة فيها تراجع أو تردد أو تخاذل أو تخوين عن الأهداف العالية والراقية لهذا المشروع، الذي يشكّل الحضارة في أسمى معانيها.
أثناء اللغة الشعرية
ومن حسن حظنا أن العهد الذي نعيشه هو عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وهو خير خلف لخير سلف، قد عهد على نفسه بكل جزم وتأكيد باستمرار ما كان عليه الآباء المؤسسون من نهج قويم وسليم لمتابعة مسيرة تأسيس وتوحيد هذا الوطن ووحدته بكل تفاصيله، وإضافة كل مرتكزات القوة إليه حتى يتجدد، ومن خلاله يتغنى العطاء للشعب السعودي وللآخرين، وهو ما كان واضحاً أكثر الوضوح بعد تسلّمه مقاليد الحكم في وطن التأسيس والتوحيد والوحدة، بمساندة من سمو ولي عهده الأمين عرّاب الرؤية السعودية 2030 صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
وإننا على يقين كامل بأن الأمانة والهدية الغالية قد انتقلت إلى أيدٍ مخلصة وأمينة، لن تقبل ولا ترضى بأية تقصير أو تفريط في حملها.
إننا كمواطنين نشعر، وبحقّ، بأن عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - زاد إلى حياتنا شعوراً جديداً ولرغباتنا نكهة مميزة لن نجد لها نظيراً إلا في هذا المسار الذي نحافظ من خلاله على المزيد من العطاء المستمر.
إن البيعة في ذكراها العاشرة تتحدث بمداد من ذهب العز والرفعة والازدهار، نظير قيادة الملك سلمان الفذة لوطننا الحبيب، ودوره في دفع مسيرته إلى الأمام للبناء على ما رسّخه الآباء المؤسسون والأئمة والملوك من بعدهم.
واليوم، كمواطنين سعوديين، نجدد البيعة لمقامه الرفيع - أيده الله -، معبّرين عن أسمى آيات الفخر والولاء والانتماء لهذا الملك الإنسان، ولحكومته، سائلين الله عز وجل أن يمتّعه بموفور الصحة والعافية والسلامة بإذنه تعالى، إنه على ما يشاء قدير.
شعر وطن
قصائد الحب والإعجاب والثناء متعددة وثرية، جادت بها قرائح أبرز الشعراء السعوديين، طيلة سنوات تطور وتقدم وطننا الكبير (المملكة العربية السعودية)، منذ مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بالحكم أيده الله، حيث ثمَّنوا فيها بقيادته الفذة وأمجاده وإنجازاته، مؤكدين أن عهده يمثل أنموذجاً وطنياً عربياً وإسلامياً متفرداً وعنواناً للتقدم والتطور والأمان.
إذ كتبت كوكبة من الشعراء السعوديين أجمل القصائد الشعرية المضمخة بقوافي الاعتزاز وذهب المعنى، ليشيدوا بهذا العهد السعودي الأصيل والفريد، وتثني على شيم وأفعال الملك سلمان، إذ رسَّخ أسس تقدم الوطن ومنعته.
ويسرني أن أستحضر في هذه المناسبة الوطنية المجيدة التي نحتفي فيها بذكرى البيعة العاشرة، باقة من هذه الروائع الشعرية، لشعراء مميزين عبَّروا في قصائدهم عن قيمة وتفرد هذا العهد السعودي، في تجربته المميزة وفي أسلوب نهضته وفي مبادئه الخيِّرة، مشددين على إعجابهم بمنجزاته وأمجاده، إذ أصبح وطن الخير والعطاء والمحبة والجمال وموئل النجاحات.
وقد وصف الشاعر الدكتور سالم بن محمد المالك في هذا الصدد، في رائعته «الخماسية» بأنه سعودي ويحق له الفخر ببلاده المزدهية.
وروى الشاعر في أبياته شذرات من سير الدين والرخاء والأمن والاستقرار في هذا الوطن الذي أسسه خير قائد وحكيم، وترعى نهجه يد قائد عظيم هو عنوان للوفاء والثقة والتقدم، ومما جاء في القصيدة:
سُعُودِيُّونَ والتَّارِيخُ شَاهِدْ
بِأَنَّ بِلَادَنَا للخيرِ رَافِدْ
سُعُودِيُّونَ إنْ قُلْنَاَ فَعَلْنَا
رِجَالٌ في الرَّخَاءِ وفي الشَّدَائِدْ
سُعُودِيُّونَ تَرْبُطُنَا صِلَاتٌ
وَتَجْمَعُنَا صلاةٌ فِي المَسَاجِدْ
سُعُودِيُّونَ يَحْكُمُنَا إِمَامٌ
إِمَامٌ حَقِّ بالعْدْلِ ذَائِدْ
إمامُ الحَزْمِ سَلْمَانٌ أبُونَا
سَيَبْقَى حُبَّهُ في القَلْبِ خَالِدْ
وقال أيضاً في أبيات موشّاة بمعاني المباهاة بإنجاز هذا الوطن الأغر، وذلك في قوله:
لا تَرْضَخِي أبَدَاً بلادِي واعْتَلِي
قِمَمَ الجبالِ وكُونِي أنتِ الشامخة
فالحزمُ في بعضِ الأمورِ سياسةٌ
رَكَعَتْ لهُ دولٌ وصَارَتْ رَاضِخَة
والعزمُ رايَةُ مَنْ يقودُ بِلادَهُ
نَحْوَ العُلَا لتكونَ دوْمَاً رَاسِخَة
أيظنُّ بعْضُ الغَرْبِ أنَّا لُقْمَةٌ
أوطانُهُمْ بَاتَتْ بلادَاً شَائِخَة
بلْ نَحْنُ سلمانُ ونَحْنُ مُحَمَّدٌ
وسيوفُنَا بالحَقِّ تَنْطِقُ صَارِخَة
وقد حفَّز الوطن قريحة الشاعر الدكتورة أديم ناصر الأنصاري، فتغنت بحسنه وقيمته، ضمن رائعتها «نحلم ونحقق»، ومما قالته فيها:
لا لا تسل عن عاشق لبلادهِ
فبلادنا هي ما نحبُ ونعشقُ
هذا السعوديُّ الذي في عزمه
يمضي بمجدك للسباقِ فيسبقُ
حارتْ بنا الأحلام حين تحقَّقتْ
فلها سنحلمُ دائماً ونحققُّ
وبدورها، ذكرت الشاعرة ينابيع السبيعي، أن سمات وطنها مذهلة وأنه وطن رائع يستحق كل ثناء ووصف بليغ. وقد حكت عن ذلك في قصيدة لها من أبياتها:
أيا أرضاً لها الألحان طابت غناءً وارتقى الناي الهزار وفيها استوطن الأمل المصفى وغرد في صحاريها الكنار لأنت النور إن ضلت نفوس ويسكن في مضاربنا النهار ستبقى نخلة والسيف حق ويعلو قبضة العدل الشعار
كما عبَّر الشاعر الدكتور فواز اللعبون، عن مشاعر الحب والفخر والاعتزاز بملكه «سلمان» في قصيدته «وطني، ومن أبياتها:
كل الذين رأوا بشرى السَّنا لمحوا
فيها حروف اسمَ غالي القدرِ مُغلينا
سينٌ ولامٌ وميمٌ أزهرت ألفاً
ونونه أنبتتْ للفأل يقطينا
سلمان ما كان إلا سلم عالمنا
وحرب من كان يأبى السلم واللينا
أرسى به الله من عليائه وطناً
كادت تميد به بغياً أعادينا
أتى على فترة من روح أمتنا
ونحن فينا من الآلام ما فينا
فجمَّع الله فيه أمة تعبتْ
من الشتات وخذلان الموالينا
وها قد ازدان منه الحزم واكتملتْ
به البشائر وانزاحتْ مآسينا
ويقول الشاعر الدكتور بندر العسيري:
تبارك المجد للعلياء يا وطني
واستبشر الفخر يسمو في ذُرى القممِ
رواحل السعد زارت كل رابية
بموطن النور والأخلاق والقيم
يعانق الفكر أحلام الشباب به
فيرتقي الجيل بالأحلام والهمم
بيارق العز في وطني قد ارتفعت
على ثراه النقي الطاهر الشبم
تسمو بعز من «العوجاء» ركائزه
يعلو بحزمٍ إلى الجوزاء والنُّجُمِ