عبده الأسمري
اتخذ من «المسؤولية» رهاناً أول دخل به بوابات «الأثر» فتشكلت «غيوم» سيرته لتهطل «صيباً» نافعاً من اليقين وتنزل «غيثاً» شافعاً من التمكين. متخذاً من «الأمانة» عنواناً أول كتب به «تفاصيل» الذكر الطيب في قلوب «الشاهدين» والاستذكار الحسن في أفئدة «المحايدين».
ما بين فروسية «ذاتية» وفراسة «شخصية» بنى صروح التمكين في ساحات «التمكن» المبني على «المصابرة» والمعتمد على «المثابرة» فحمل «الأمانة» على عاتقه الوطني ونال «المكانة» في تكليفه المهني الذي ملأ به «فراغ» البدايات بملء الحرص وامتلاء الاخلاص.
أنه المستشار في مكتب أمير منطقة الرياض سلمان بن عبدالعزيز -الملك- الأستاذ محمد بن فهد بن غيث رحمه الله أحد رجال الدولة ووجوه الخير والعطاء التنموي والاجتماعي.
بوجه نجدي مسكون بطيبة تتجلى على تقاسيم مألوفة وعينان تسطعان بنظرات يملؤها «الجد» ولمحات يسكنها «الود» وأناقة وطنية زاهية بالأزياء الأنيقة وشخصية مسجوعة باتزان فريد وسكينة عميقة وطمأنينة جلية وكاريزما مشفوعة بسمات نبيلة وصفات أصيلة وصوت جهوري تسكنه لكنة «نجدية» وسكنة «ندية» تتسامى منها عبارات «التفكر» وتتجلى فيها اعتبارات «التدبر» ومكنون معرفي ومخزون ثقافي يرتكزان على أصول معرفية وأسس تنموية قضى بن غيث من عمره عقود وهو يملأ افاق «المعارف» بسيرة «المتمكن» ويحقق غاية «المشارف» بمسيرة «المكين» قيادياً وريادياً ومستشاراً ورجل دولة ترك أسمه في «قوائم» الكبار وأبقى صيته في «مقامات» الاعتبار.
في الرياض «عاصمة» العز، وواجهة الاعتزاز. ولد عام 1355 في منزل والده الشيخ فهد أمام مسجد الحنبلي واكتظ حي «الظهيرة» الشهير بالألفة والتآلف بتباشير «الفرح» وتعابير «السرور» احتفاءً بالمولود المبارك كعادة أهل الحي في اقتسام رياحين المشاركة والمباركة.
تفتحت عيناه صغيراُ على أب تقي زاهد غمر قلبه بموجبات البر وعزائم التقوى وأم عطوفة عطرت وجدانه بواجبات الدعاء وهمم الابتهال، فنشأ محفوفاً برعاية تماثلت ما بين النصح والتوجيه وتكاملت نحو الالهام والاهتمام مما جعله في «سباق» باكر مع الخير و»اتساق» مبكر نحو التقدير الذي حول طفولته إلى «ميدان» استثنائي يسطع بالمكارم ويفيض بالفضائل.
ركض بن غيث صغيراً مع أقرانه في «فسحة» من الوقت و»منحة» من الزمن مرتبطة بمواعيد دقيقة رسمها له والده على بوابة الانضباط لأداء الصلاة في مواعيدها والالتزام في حضور الدروس في أوقاتها مما رسخ في أعماقه «قيم» التدين و»همم» الحرص فظل مرتبطاً بأبيه منتهلاً من علمه متشرباً من عمله دؤوباً في بره عطوفاً في تواصله شغوفاً بهمته التي وجعت بوصلة أحلامه شطر «التميز».
تعتقت نفسه صغيراً بعبير «ليالي» نجد العذية وتشربت روحه أنفاس حقول «العارض» الندية، وظل يسطر مع أقرانه ذكريات الطفولة الحالمة بين أحياء عليشة والمعذر وشارع الوزير ومضي يرسم أحلامه على «خرائط» الأماكن مراقباً العابرين على عتبات «الترحال» ومرتقباً السائرين عبر محطات «الكفاح» فتكونت في ذاكرته «الغضة» شواهد الرضا في وجوه «البسطاء» ومشاهد «العون» في مسالك «النبلاء».
أنصت لصوت «الفلاح» في تلك الألحان السماوية الصادرة من مكبرات «الجوامع» وظل مرافقاً لوالده يقتفي أثر خطواته القادمة من بصائر «الأثر» والمتجهة الى مصائر «المآثر» فتشكلت في طريقه إضاءات «الأماني» التي سار بها في دروب «التفاني» في مقتبل «عمر» تجلل بالتوجيه وتكلل بالوجاهة.
درس بن غيث في مدارس الرياض وظل حريصاً على المكوث في أهل «الحكمة» من أهل عشيرته الأقربين وتشكلت أولى «بوادر» التوقع لدى أسرته بقدوم «مشروع» بشري يضيف الى أرصدة «الوطن» رقماً إضافياً من التفوق.
ارتبط بالعمل الحكومي مبكراً في سيرة منوعة قضاها بين الوظائف والمناصب وتقاضى أول راتب شهري له بمقدار 150 ريال شهرياً وأشتهر بالطموح حيث استمر يقرأ في أمهات الكتب ويركض في ميادين «الصبر» بأنفاس «المثابر» حيث عمل في بداياته بشرطة منطقة الرياض عام.1369هـ واشتهر بأمانته وإخلاصه ومثابرته ثم تعين بعدها في الديوان الملكي وتعلم في تلك الفترة مهارات متعددة ومتجددة في مضامين العمل الحكومي حيث انتقل بعدها للعمل في وزارة الداخلية حين كان الملك فهد رحمه الله وزيراً لها.
ولأنه من الأسماء المعاصرة للنهضة وممن كانوا شهود عيان على مراحل البدايات والتطور التدريجي والتحديات التنموية التي شهدتها العاصمة فقد تم تعيينه في اول مجلس بلدي في الرياض وبعد فترة من الزمن تم تكليف بن غيث للعمل مفتشاً في إدارة جوزات الرياض، ثم كلف مديراً عاماً لإدارة جوازات الرياض خلال الفترة 1387هـ- 1402هـ، ثم تعين مشرفاً على مكتب سمو أمير منطقة الرياض حين كان الملك سلمان «حفظه الله» أميراً لها في ذلك الوقت.
واستناداً الى كفاءته وخبرته وأدائه المتميز تم تعيينه مستشاراً للأسرة المالكة الكريمة في إمارة الرياض حتى أحيل للتقاعد 1415هـ على المرتبة الخامسة عشرة.
وضع بصماته الجلية في كل المحطات التي عمل بها واشتهر بأفكاره المميزة في مجال التخطيط والتطوير وقراءة المستقبل.
أقترن بالسيدة الفاضلة لطيفة بنت سليمان عبد العزيز بن مقيرن رحمهما الله التي تشاركت معه في تربية صالحة فالحة لأربعة من الأبناء وثلاث من البنات ساروا على نهج قويم من البر والاحسان.
وعلى فترات طويلة من العمل فقد أشتهر بن غيث بعلاقاته الواسعة مع مسؤولي الدولة ورجال الأعمال وخبراء التنمية وكان عميداً لأسرته الشهيرة بالسمعة الزاهية بالنماء والانتماء وظل حريصاُ على تفقد اقاربه مرتبطاً بتواصل إنساني مع مجتمعه ووجهاً أصيلاً لعمل الخير وركناً ثابتاً للصلاح بين معارفه وغيرهم سباقاً الى صناعة «المعروف» في كل الاتجاهات.
انتقل ابن غيث الى رحمة الله عام 1437 بعد سنوات من العطاء قضاها في خدمة وطنه على أصعدة مختلفة كان فيها مسؤولاً قديراً ووطنياً باراً على مستوى الخلق الحسن والعمل المبارك.
محمد بن فهد بن غيث رحمه الله المستشار الوطني والرجل الفضيل صاحب السيرة المشرقة بإضاءات «العطاء» وإمضاءات «السخاء».