ليلى أمين السيف
في حياتنا اليومية، أصبحت الجمل التي نستخدمها أشبه بمعجنات لغوية، لا تعرف أصولها من فروعها. فأصبحنا نقول: «الباسورد حق الواي فاي وين؟» بدلًا من «ما هي كلمة المرور للشبكة اللاسلكية؟»، أو «أنا بستخدم اللابتوب عشان أعمل داونلود» بدلاً من «سأستخدم الحاسوب لتحميل الملفات».
حتى السائق المسكين لا يسلم من تخبطاتنا اللغوية فنخاطبه قائلين:
لو سمحت، شغل الـ«GPS»
علشان نعرف الطريق!
يا ترى؟ أين ذهبت كلمة
«نظام تحديد المواقع»
وأما الحذاء فحكايته حكاية! فأين ذهب «الحذاء» و»النعل» و»الخف»؟
هل لاحظتم كيف اختفت هذه الكلمات من قاموسنا اليومي؟ الآن، بدلاً من قول «أريد حذاء رياضي»، نقول بكل فخر: «أحتاج «سنيكرز» جديد!» وكأن الكلمة العربية لم تعد تليق بمستوانا. دعونا نلقِ نظرة على بعض المفردات المتعددة للحذاء بلغة الفرنجة:
- Slip-on loafers -
يترجمها عمنا «غوغل» بالأحذية المنزلقة التي لاتحتاج أربطة لذا فهي سهلة الإرتداء والخلع.
- Flip-flops-
الشبشب، أيها الأسطورة الصيفية.
- Loafers-
- لافرز، حذاء الرجل العملي الأنيق.
بالله عليكم، متى آخر مرة سمعتم أحدهم يقول: «أريد نعل خفيف»؟ ربما قبل اختراع «الفليب فلوب» بأسابيع!
ونقول في حال حذائنا:
أنا النعلُ إن لامستُ أرضي «فهل يرضى النعل أن يكون «فليب فلوب»؟
أما الجاكيتات فيا قلبي لاتحزن
فوضى عالم الأزياء يتسلل لحياتنا!
إذا كنا قد فقدنا «الحذاء»، فما بالك بـ«السترة»؟ لقد تحول الأمر إلى فوضى!
فلدينا الآن:
Blazer وBomber jacket وPuffer jacket وbolero jacket
وغيرها كثير وكلها تدخلت في حياتنا اليومية لتبعد كلمة «معطف» و«سترة» و»قفطان» وغيرهم عن الأنظار. ما الذي يجبرنا لنقول «معطف» عندما يمكننا أن نقول «بليزر» ونشعر وكأننا في مسلسل درامي مشوق؟
حتى «السترة الصوفية» تحولت إلى «كاردجان»، وكأننا نخاف أن نقول كلمة «صوف» في الشتاء! وهكذا، تضيع مفرداتنا شيئًا فشيئًا في بحر الكلمات المستوردة.
بالله عليكم من منكم يعرف المسْتَقة. في الواقع أنا لم أسمع بها سوى الأن حين كتابة مقالي هذا!! هاكم تعريفها من عمنا شفتشي الذي يعرف كل شئ «غوغل.»
«المسْتَقة» بضم الميم وكسرها وسكون السين وبضم التاء وفتحها: كلمة فارسية مُعرَّبة،
وأصلها في الفارسية مُشْتَه وتعني الثوب المتخذ من الفراء، طويل الكُمّ.
في الحقيقة، إذا نظرنا إلى الأسماء التي تطلق على «الجاكيت» في اللغة الإنجليزية، سنجد أن هناك تنوعاً واسعاً بناءً على التصميم، والمادة، أو الغرض من الاستخدام. لكن في اللغة العربية، فإن كلمات مثل «معطف» و»سترة»،قد لا تغطي هذا التنوع الكامل ليس لعجز اللغة فهي مفردات أجنبية حري بنا تعريبها كما فعل اسلافنا الأُول.
لذا، دعونا نلق نظرة فكاهية على كيفية استخدامنا لتلك الكلمات الأجنبية وكيف ضاعت «السترة» بين أسماء مثل «بومبر» و»كوتشي».
هنا بعض الأمثلة لالقاء نظر عن كيف صنعوا مفرداتهم وكيف اصبحنا نتقنها والقينا خلفنا ارثا ضخما من لغة الشعراء والعباقرة اللغويين:
.»smart jacket» أو «heated jacket»
1 - «الجاكيت الذكي». لا، لا أقصد أنه يعرف الإجابة على كل الأسئلة الصعبة، بل هو الجاكيت الذي يحتوي على تدفئة داخلية. تخيلوا لو قلت
«أريد معطفاً ذكياً يُدفئني»!
ربما اعتقد البعض أننا نطلب جنيًا.
2 - الـ«بومبر جاكيت». هو جاكيت خفيف يتم ارتداؤه بشكل واسع الآن، لكنه في الأصل كان مخصصًا لطياري القوات الجوية. لماذا لا نقول «سترة طيار» أو «سترة نفاثة»؟ لا نعلم، ولكن ربما لأن «بومبر» تبدو أكثر حداثة.
3 - الـ« بليزر». يأتي في تصاميم رائعة تُشعرك بأنك تتجه إلى اجتماع مجلس إدارة. ومع ذلك، نستمر في تسميته «بليزر» بدلاً من «سترة رسمية». يبدو أننا نعشق الأسماء الإنجليزية التي تجعلنا نبدو وكأننا نمثل في فيلم هوليوودي.
4 - الـ«كاردجان». هو السترة الصوفية المفتوحة التي يرتديها كبار السن في الشتاء الدافئ. ومع أننا قد نطلق عليه «سترة صوفية»، إلا أن كلمة «كاردجان» لا تزال أكثر جذبًا خاصة عندما نتحدث عن الموضة.
5 - الـ«بافر جاكيت». هو الجاكيت المنفوخ الذي يبدو وكأنك ترتدي غطاء لحاف. رغم أن اسمه العربي يمكن أن يكون «معطف منفوخ»، إلا أننا نفضل استيراد الاسم كما هو لنشعر بأننا نعيش في عالم الموضة العصرية.
6 - الـ«ريفر جاكيت» أو «معطف البحارة
رغم أن كلمة «معطف البحارة» كانت لتكون منطقية جدًا، إلا أن كلمة «ريفر» تعطيك الشعور بأنك تقف في مرسى يخوت فاخر.
ياويح قلبي على لغة القرأن وكأني بها تنوح وتصدح. «أينكم مني وأين مكاني؟»
يبدو أن لغتنا العربية قد تعثرت قليلاً في سباق السرعة مع اللغات الأخرى، وكأنها تبحث عن «ملعقة» مناسبة لتتناول بها مفرداتها الجديدة! وبينما نحن نُفضل استخدام كلمات مثل «ثروباك» بدلاً من «استحضار الذكريات»، وكلمة « درايف ان» بديلا لمفردة «خدمة السيارات.»
قد يأتي اليوم الذي نطلب فيه من أصدقائنا «جاكيت ذكي» يتحدث ويجيب على أسئلتنا المتعلقة باللغة العربية المركونة على رف الذكريات!
ماعلينا سوى أن نعيد الاعتبار للغتنا العربية وكأننا نقوم بعملية «إعادة شحن» لهويتنا اللغوية! فالدمج بين القديم والجديد ليس مشكلة، تمامًا مثلما نخلط «الشاي بالنعناع»، لكن المهم أن نحافظ على أن يبقى «الشاي» عربيًا أصيلًا رغم أصوله الأسيوية. وإلا، سنجد أنفسنا يومًا نتحدث لغة هجينة، مزيجًا من كل شيء، حتى أننا سنبدأ بطلب «كابتشينو» مع «قليل من الحِكمة» بدلاً من «قهوة عربية». يا ترى، ماذا سيبقى لنا إن ضاعت هويتنا اللغوية؟ قد ننتهي بنسخة لغوية لا نعرف إن كانت شرقية أم غربية، أو حتى كوكبية!
** **
- كاتبة يمنية مقيمة في السويد