فضل بن سعد البوعينين
أدركت المملكة، بصفتها السوق الأكبر للناتج المحلي الإجمالي والاستهلاكي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واعتبارها البنك المركزي للنفط العالمي، ومكانتها العالمية، اقتصاديا، ماليا، وسياسيا، وموقعها الإستراتيجي الذي يربط بين القارات الثلاث، وحدودها المطلة على البحر الأحمر والخليجي العربي، أهمية استثمار الفرص والمقومات المتاحة لتعزيز مكانتها الإقليمية والعالمية، وتحفيز النمو وضمان استدامته، وتحقيق مستهدفات الرؤية ذات العلاقة بتنويع مصادر الاقتصاد وتحفيز القطاع الخاص، وخلق مزيد من الفرص الوظيفية والإستثمارية، فتبنت إطلاق برنامج المقار الإقليمية للشركات العالمية متعددة الجنسيات، كجزء من رؤية السعودية 2030 والاستراتيجية الوطنية للاستثمار، والتوسع في الإنفاق الحكومي، وتنوع المشروعات الكبرى، ومشروعات البنى التحتية من المحفزات المهمة للإقتصاد، والجاذبة للمستثمرين، يدعم ذلك آلية بناء الميزانية العامة التي أصبحت تعتمد الرؤية الإستراتيجية لسنوات قادمة، بدلا من اقتصارها على عام الميزانية، ما يعني وضوح الرؤية للمستثمرين، والشركات متعددة الجنسيات على المدى المتوسط والبعيد.
فالإنفاق التوسعي، ولسنوات، يجعل من الاقتصاد السعودي أكثر جاذبية مقارنة باقتصادات دول تسعى للسيطرة على التضخم وبالتالي كبح الإنفاق، وتشديد السياسة النقدية، انخفاض معدل التضخم مقارنة بمستوياته العالمية أعطى الاقتصاد السعودي ميزة تنافسية مقارنة بالدول الأخرى، إضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي حسنت من أداء الاقتصاد، وساهمت في استكمال البنية التشريعية المعززة لجذب الاستثمارات الأجنبية.
نجحت المملكة في تصدر الاستثمار الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث القيمة في النصف الأول من العام الجاري، وبلغ عدد التراخيص الاستثمارية المُصدرة عن وزارة الاستثمار خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 3157 ترخيصا، بنسبة ارتفاع بلغت حوالي 93% مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.
ووصل عدد التراخيص الاستثمارية النشطة التي تم إصداراها حتى الربع الأول من العام الجاري إلى 30 ألف مقارنة بـ8 آلاف ترخيص في عام 2021، وهوانعكاس حقيقي للحراك الاقتصادي والإصلاحات العميقة والتنمية الشاملة المرتبطة بمستهدفات رؤية 2030، والإدارة الحصيفة للاقتصاد.
ومن المهم الإشارة إلى نوعية الإستثمارات الأجنبية التي نجحت المملكة في جذبها بشراكات كبرى نوعية مرتبطة بقطاعات اقتصادية حيوية معززة لهدف التنوع الاقتصادي.
وخلال فترة زمنية قصيرة، نجحت المملكة بتجاوز هدفها المفترض تحقيقه عام 2030 في ملف جذب مقرات الشركات العالمية إلى الرياض، وأعلنت أن عدد الشركات متعددة الجنسيات التي حصلت على تراخيص لإنشاء مقرات إقليمية بلغ حتى نهاية النصف الأول من العام الحالي 517 شركة، متجاوزا مستهدف برنامج استقطاب المقرات الإقليمية الذي حدد بـ 500 شركة بحلول عام 2030.
شركات عالمية كبرى من بين أهم الشركات التي إتخذت من الرياض مقرا إقليميا لها، ومن بينها «إيرباص»، و«أوراكل»، و«فايزر»، و«بوينج»، و«سامسونج»، و«أمازون»، و«جولدمان ساكس».
وكعادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تعامله مع الأهداف الإستراتيجية المتحققة قبل موعدها، أعلن وزير الاقتصاد المهندس خالد الفالح بأن المملكة تضع مستهدفا جديدا لجذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية. لا مجال للتراخي أو الإستكانة لما تحقق، فدينامايكية العمل الحكومي باتت مشابهه لأعمال شركات القطاع الخاص الكفؤة، حيث تتم مراجعة الأهداف والتعديل عليها وفق المتغيرات، ومقتضيات الحاجة، الضامنة لإستدامة العمل وبذل الجهود لتحقيق مزيد من الأهداف الإستراتيجية. ومتى ما تحققت الأهداف قبل موعدها، يتم وضع أهدف أعلى تسهم في زيادة النمو وإستدامة العمل والتوسع في تحقيق مزيد من الأهداف الإستراتيجية المعززة للاقتصاد.
وضع مستهدف جديد لجذب المقرات الإقليمية للشركات متعددة الجنسيات، أمر مهم، بعد تحقق المستهدف الأول قبل 6 سنوات من موعده، غير أن رفع الرقم المستهدف ربما أحتاج إلى إجراء تعدل نوعي لتحفيز الشركات العالمية من أجل تحويل مقراتها الإقليمية إلى مقرات رئيسة، حيث تمتلك السوق السعودية جميع المقومات التي تحتاجها الشركات العالمية، وبخاصة البنى التحتية، والموقع الإستراتيجي وسهولة الوصول إلى الأسواق العالمية، وضخامة الطلب المحلي، وحجم الإنفاق الحكومي و الإستهلاكي ووجود القطاع المالي الكفؤ و المنظم والقادر على توفير التمويل اللازم، إضافة إلى كفاءة القطاع الخاص والدعم الحكومي غير المسبوق الذي يستهدف تمكين القطاع ليكون المحرك الرئيس للاقتصاد مستقبلا.
نجاح الحكومة في تحقيق مستهدفات الرؤية في وقت قياسي، وقبل موعدها بسنوات، يعكس جودة البرامج و الرؤية الإستراتيجية، وحجم العمل الذي يقوده سمو ولي العهد والوزارات و الهيئات التنفيذية، وهو عمل منظم، ومتواصل ومرتبط بمؤشرات قياس معززة لتحقيق النتائج الإيجابية، ونجاح برامج التحول والتنوع الاقتصادي والإستدامة المالية والتنمية الشاملة.