مشعل الحارثي
تعتبر الحرف والصناعات التقليدية جزءاً من منظومة التراث الإنساني، وتسهم في تعزيز الهوية الوطنية إلى جانب كونها جزءاً من الصناعة بصفة عامة التي تعد شريان الاقتصاد وعصب الحياة والبعد الحضاري والثقافي والاجتماعي لأي مجتمع، بل تعتبر هي أساس الصناعة منذ فجر البشرية وقبل أكثر من مليوني سنة، حيث ولدت الحرف اليدوية الأولى التي احتاجها البشر آنذاك لتلبية غرائزه البدائية، وكانت مادتها من بيئته المحيطة كالحاجة للغذاء وسعيه لتسخير ما يمكنه الحصول عليه، حيث اهتدى لصناعة أدوات الصيد مثل القواطع الحجرية الصغيرة والرماح والفؤوس والنصال وغيرها من الأدوات الأخرى.
والصناعات الحرفية هي الصناعات التي تعتمد في صناعتها على اليد البشرية، باستخدام بعض الأدوات والآلات البسيطة والمواد المحلية الطبيعية، وتزداد قيمتها بدرجة ما يتمتع به صاحب الحرفة من مهارة مكتسبة وممارسة طويلة وتعكس الطابع التراثي المحلي.
وعرفتها منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (اليونسكو) بأنها تعبير حقيقي للتقاليد الحية للإنسان تتجلى فيها الأسس الثلاثة للتنمية المستدامة والقيم الإنسانية وهي التكيف والتجديد والإبداع).
وقد أشاد الشعراء العرب ومنذ العصر الجاهلي بهذه الحرف القديمة ومن ينتمي إليها، فيما انتقصها البعض الآخر وقللوا من شأن من يعمل بها، إلا أن أمير الشعراء الشاعر أحمد شوقي جاء في العصر الحديث ليؤكد على أهميتها وما تمتاز به من طابع فني ابداعي حيث قال:
نحن أرباب الحرف ليس يعنينا الترف
ولنا كل الشرف اننا نحيي المهن
نحن أهل للبراعة في أساليب الصناعة
ولنا في كل ساعة نهضة في كل فن
نحن قوم نستفيد كلما جد جديد
عزمنا عزم الحديد ليس يثنيه الزمن
فضل صناع البلاد كل يوم في ازدياد
ولهم في كل واد حسنات ومنن
وبسب حجم التطورات التنموية الكبيرة التي طرأت على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المملكة العربية السعودية التي حملت معها النماء والازدهار للشعب السعودي وانخراطهم للعمل في مختلف الوظائف المدنية الحديثة، إضافة لما عم العالم أيضاً من طفرة وتقدم تقني وتكنولوجي هائل كان له أثره الكبير على تطور الصناعات، مما تسبب في الغاء الحاجة إلى الحرف اليدوية واختفاء عدد منها واندثارها ورحيل الكثير من أربابها وروادها الأوائل.
ولقد حظيت الصناعات الحرفية السعودية بالاهتمام والرعاية من قبل القيادة الرشيدة التي عملت على تشجيع إعادة احيائها وحمايتها، والعمل على صيانة هذا الإرث العريق من الاندثار، وجاء قرار مجلس الوزراء الأخير برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - لتسمية عام 2025م بعام الحرف اليدوية، وما سبقه من إقرار للبرنامج الوطني للحرف والصناعات الوطنية (بارع) وخططه التنفيذية، وما تبذله هيئة التراث بوزارة الثقافة من جهود حثيثة لإبراز ما تضمنته رؤية المملكة 2030 من اهتمام كبير لإعادة صياغة ملامح وفضاءات جديدة للصناعات الحرفية الوطنية وما تشكله من غنى بشري وثراء علمي ومعرفي.
تصنف الصناعات التقليدية السعودية حديثاً ضمن المشروعات المتوسطة والصغيرة وأصبح لها بصمة وطابع خاص يعكس خلاصة تجربة الإنسان السعودي، ومن أشهرها، صناعة الخوص من سعف النخيل كالمراوح والبسط والسلال، صناعة الانسجة من خيوط الصوف (السدو)، وصناعة بيوت الشعر، وصناعة الصلصال (الفخار)، وصناعة شباك الصيد، وصناعة الملابس والتطريز وازياء النساء القديمة، وصناعة الحلي الفضية والذهبية ومشغولات الأحجار الكريمة والسبح، وصناعة الجلود ومنها صناعة الأحذية اليدوية، وصناعة دلال القهوة، وصناعة القوارب الخشبية، وصناعة الأبواب والشبابيك الخشبية، وصناعة الخناجر التراثية ،وصناعة البشوت والعقل، وصناعة الزخارف الجبسية، والمشغولات الحديدية، وصناعة الأسلحة التقليدية وغيرها من الحرف الأخرى.
واتساقاً مع هذه التوجهات والجهود الحكومية الرسمية فإنه يجب أن يوازيها جهود مماثلة من المواطنين ورجال الأعمال في طرح المبادرات التي تسهم في تطوير هذه الصناعات، وتضمن لها البقاء والقدرة على استدامة فرص حقيقية تسعى لتوفير الحياة الكريمة للعديد من الأسر، وإبراز ما تتضمنه هذه الحرف من مهارات فنية وابداع وذوق رفيع، والحرص على حضورها الدائم في المناسبات والمحافل الإقليمية والدولية واطلالتها على الثقافات المختلفة.