د.شريف بن محمد الأتربي
تتعدد وتختلف أشكال الأعمال والخدمات التي يتم تقديمها للمجتمع، بعضها يحتاج إلى موظف، والبعض الآخر يحتاج إلى مهني، والفرق بينهما كبير جدا، فالوظيفة هي عمل معين يؤديه الفرد في إطار منظمة أو شركة، بحيث تشمل عدة مهام والتزامات يومية محددة يلتزم بها الموظف، وغالبًا ما تكون مرتبطة بمسمى وظيفي معين.
أما المهنة فهي تشير إلى مسار العمل الذي يختاره الفرد على المدى الطويل، وتعكس مجموعة من المهارات والخبرات التي يمتلكها. تشمل المهنة عدة وظائف قد يقوم بها الفرد على مدار حياته المهنية.
المهنة تُشير إلى أيّ عمل من الأعمال التي تحتاج إلى تدريب خاص أو تتطلب مهارات مُعينة، وغالبًا ما يتم تقدير هذا العمل لأنه يتضمن مستويات كبيرة من التعليم، ومنها مهنة التعليم ومهنة المحاماة.
يأتي التعليم كواحد من اهم الخدمات التي تقدمها المجتمعات لأبنائها، حيث تحرص كل المجتمعات مهما كان تصنيفها أولى أو ثانية أو حتى عاشرة على توفير الحد الأدنى أو الأقصى من التعليم، ومن ضمن خدمات التعليم؛ توفير معلمين قادرين على تعليم الطلبة كيف يتعلمون للعيش في هذه الحياة، وكيف يكونون شخصياتهم، ويختارون تخصصاتهم، من أجل مستقبل أفضل لهم ولمجتمعاتهم.
قبل التعليم النظامي كان الأبناء يتعلمون من خلال الكتاتيب، أو داخل دور العبادة، وقليلا من هم تعلموا على يد متخصصين في التعليم نظرا لعدم تواجدهم في ذاك الوقت. ومع ظهور المدارس، والتحول من التعليم الفردي إلى التعليم المؤسسي، كان لابد من وجود أفراد مؤهلين لتحمل هذه المسؤولية، فبرزت كليات المعلمين، وكليات التربية لتقدم للمجتمع الأفراد المؤهلين لتحمل مسؤولية الجيل القادم.
تسارعت المشكلات الاقتصادية في أغلب بلدان العالم، وزادت معدلات البطالة، وبقي خريجو الكليات المؤهلة للمعلمين في معزل عن ذلك، بل زاد الإقبال عليهم من قبل المؤسسات التعليمية خاصة مع دخول القطاع الأهلي في الاستثمار في التعليم، أدى ذلك إلى تحول الكثير من غير المؤهلين للعمل في مجال التعليم كوظيفة مدرة للمال، إلى جانب الاستقرار النفسي، وسرعة التغير من معلم إلى مراتب اعلى.
هنا بدأ المجتمع التعليمي يفقد تميزه، حيث بات المدخول المالي فيصلاً في التحاق طالبي الوظائف في سوق العمل بوظيفة معلم، ولم تعد قضية التمهين (أصحاب المهن) مطروحة أمام المجتمع، بل وتوارت خجلا أمام وحش الدروس الخصوصية الذي سيطر على المجتمع؛ نتيجة سوء تخطيط العملية التعليمية من قبل القائمين عليها آنذاك، وعدم وضع معايير مهنية لممتهني التعليم، والاكتفاء بالمعايير التقليدية كالحصول على مؤهل معين.
تعددت المعايير الموصفة لمهنة التعليم، فشملت الجوانب المهنية والشخصية، ومن أبرز ما ذكر فيها ما اختص بالقدرات، حيث شملت القدرة على التخطيط، والقدرة على إدارة لاصف، والقدرة على جذب الانتباه، إلى جانب العلم والمعرفة المهنية. وفيما يختص بالسمات الشخصية، جاء الجانب الاجتماعي، والموهبة، والنشاط، الثقة بالنفس، كواحدة من اهم السمات التي يجب أن يتحلى بها ممتهن التعليم.
خلال العامين الماضيين عمل المسؤولون في وزارة التعليم بالمملكة العربية السعودية على تحسين المجتمع التعليمي بمعناه الواسع، ونال المعلمون نصيبا وافرا من ذلك التحسين، ورغم ذلك لا زلنا نطمح أن تضع الوزارة او الجهات المساعدة لها معايير معينة لمهنة المعلم، بحيث لا يلتحق بمسار التعليم من الخريجين أو المتعاقدين او المرافقين إلا من تتوافر فيه هذه المعايير وخاصة فيما يتعلق بالشغف نحو العمل كمعلم، وامتلاك القدرات العقلية والذهنية والمهارية للتعامل مع جيل يسبق معلمه بآلاف الأميال.