أ.د. يحيى بن محمد شيخ أبو الخير
لقد أبهجني تكريم مجمع اللغة العربية بمكة المكرمة ظهر يوم السبت 25-4-1446هـ الموافق 28-9-2024م،للصديق الحميم والأخ الحبيب ذي القامة السامقة الأديب الأريب فارس اللغة العربية والمُدَافِع عنها رائد الأدب السعودي وعرابه الناقد الباحث المحقق للتراث الشيخ الجليل العلم العلامة والأكاديمي البارز الموسوعي معالي الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد الضبيب، العضو السابق لمجلس الشورى، المدير الأسبق لجامعة الملك سعود، الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية سابقاً. ولا شك أن تكريم معاليه الشهم الوفي النبيل أستاذ الأجيال الفذ القدير الإداري المحنك الذي تكاملت فيه سمات الدماثة الإنسانية الرفيعة المفعمة بشفافية العطاء وعمق الصفاء والتسامح والصفح لهو تكريم بكل المقاييس للعلم والعلماء ومحبيه واحتفاءٌ بالأجيال التي تتلمذت على يديه ونهلت معارفها من علمه الغزير ومن فيض إكسير نميره العذب الضافي الجزيل. فشكراً من الأعماق للمسؤولين في المجمع والقائمين عليه أهل الكرم والجود على تكريمهم معاليه تقديرا منهم لجهوده في خدمة اللغة العربية وإبرازاً لمنجزاته اللغوية والعلمية الرائدة الرصينة ضمن فعاليات احتفال المجمع باليوم الوطني السعودي يوم المجد والعطاء والنماء الرابع والتسعين. فمعاليه رعاه الله بكل تأكيد جدير بهذا التكريم، بل هو أهل له بكل كفاءة واقتدار لا سيما أنه رمز وطني فريد يُشهَدُ له بسمته الخُلِقي الرفيع وعلمه الشامخ الرصين وفكره المعتدل الراجح البرجماتي الممنهج الرشيد وأريحيته المحببة للنفوس ونزاهته المنقطعة النظير وحسن وفادته المفعمة كرماً وحباً ووداً ووفاءً للقريب والبعيد. إضافة إلى ذلك فمعاليه حفظه الله فريد في تفانيه وحبه لوطنه وإخلاصه له ولقادته العظماء الذين شرفهم الله بخدمة الحرمين الشريفين والإسلام والمسلمين في كافة أصقاع المعمورة التي نشروا فيها السلم والسلام والأمن والأمان وسجلوا فيها بماء من ذهب أسمي آيات النبل والوفاء، مقتدين بمسيرة الوالد البطل القائد الشهم الفارس الشجاع المغفور له المؤسس صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود غفر الله له وطيب ثراه.
زيادة على كل ما سبق، فإن من دواعي تكريم معالي الاستاذ الدكتور أحمد الضبيب والاحتفاء به في المجمع تكمن في اعتقادي في تميزه وفقه الله بشخصية جاذبة رائعة سامية الروح تشف عن مكنوناتها الطاهرة بابتسامته المستقطبة المشرقة التي يقرنها حين يتحدث معاليه بأجمل العبارات حبكة وأبلغها دلالة وأعذبها مدلولا وأنبلها غاية وأرقها نبرة سمتاً وسمات. وليس ذلك فحسب، بل يعد معاليه كما عهدته لسنوات عديدة أدام الله ظله سمح الخلق، صادق السريرة، طاهر المخبر، محمود المعشر، رقيق الوجدان، شفاف الفؤاد، ثاقب النظر معتدلاً راقي السلوك، حضاري المقصد، موضوعي التوجه. ولذلك ظل معاليه عبر السنين ولا يزال كذلك كما التقيت به أول مرة، رغم مباهج السمعة التي احتلها ومآثره السامقة العديدة، إنساناً متواضعاً كريماً مؤثراً وعالماً متميزاً من الطراز الأول واستاذاً جامعياً مرموقاً بارعاً امتلك بسجيته الإنسانية وموضوعيته وعدالته وجدان طلابه واستحوذ على قلوب زملائه ومحبيه وتربع على عروش أفئدتهم بما لا تستوفي وصفه أحرف وسطور. هذا فضلاً عن حضور معاليه الفكري والعلمي والثقافي الخلاق الذي يتسم بالجدية والجدة والمهنية السامقة تدريساً وبحثاً ومشورة الأمر الذي يجعل القرب من معاليه ثراءً معرفياً، فما بالك بمن زامل معاليه وصادقه وتشرف مثلي بذلك واستضاءت نفسه وازدانت. ولهذا لا غرابة على الإطلاق أن يتحدث عن معاليه الأحباب والأصحاب بأجمل العبارات وأنبلها، فتتشعب إشادتهم به وثناؤهم عليه كل حسب صلته بمعاليه، لتلتقي جميعها عند فضيلة خلقه العظيم وسجية وفائه الفطري وخلة تواضعه العريق الجم لمن يعرف ولمن لا يعرف، فارتفع بذلك سمت معاليه في الأنام وسمى وأضحى اسمه هو وسمه عبر الأزمان رمزاً للعلم والمعرفة والثقافة والإيثار والصبر والجلد على التحصيل العلمي والقدرة على التحليل العلمي المنظومي المنهجي المستنير. وإلى جانب البعدين الإنساني والمعرفي السلوكي اللذين سردتهما عنه أعلاه، فقد تميز معالي الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب ببعدٍ إداريٍ سامقٍ، بناء قديرٍ، إذ تولى معاليه مهام عدة في رحاب جامعة الملك سعود وخارجها. ومن تلك المهام على سبيل المثال لا الحصر رئاسة قسم اللغة العربية وآدابها وعمادة شؤون المكتبات ووكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي قبل أن يصبح مديراً للجامعة فضلاً عن عضويته الفاعلة في عدد من المجامع العلمية واللغوية في بغداد ولقاهرة ودمشق والرباط وكذلك في بعض الأكاديميات والمجالس العلمية المرموقة العليا والمحافل ذات العلاقة على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي.
من الجدير بالذكر أن معالي الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب وفقه الله وسدد خطاه قد بادر مبكراً بعد حصوله على درجة الدكتوراه من قسم اللغات السامية بجامعة ليدز في الستينيات وتعيينه عضو هيئة تدريس بجامعة الملك سعود بتأليف وتحقيق وترجمة عدد من الكتب القيمة التي أثرت المكتبة الوطنية والعربية في مجال تحقيق التراث والأدب والنقد والببليوجرافيا والترجمة اللغوية وعلم اللغة الاجتماعي والهوية اللغوية والرصد الثقافي. ومن تلك المؤلفات القيمة على سبيل المثال لا الحصر: كتاب الأمثال لأبي فيد السدوسي: دراسة وتحقيق، والأعمش الظريف، وآثار الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وعلى مرافئ التراث: أبحاث ودراسات نقدية. كما أتبع معاليه تلك المؤلفات القيمة بكتابه عن بواكير الطباعة والمطبوعات في بلاد الحرمين الشريفين، وأوراق رياضية، واللغة العربية في عصر العولمة، ومعجم مطبوعات التراث في المملكة العربية السعودية المكون من ثمانية مجلدات. كما صدر لمعاليه مؤخرا عدد وافر من الكتب والدراسات في اللغة العربية وتحقيق التراث ومنها: العرب والخيار اللغوي: دراسات ومقالات في الواقع اللغوي العربي المعاصر، وحركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية: دراسة تاريخية تحليلية نقدية، وكتاب حمد الجاسر والتراث: قراءات في فكره ومنهجه، وأخيراً كتابه القيم على آثار المحققين: أبحاث ودراسات نقدية. كما أن لمعاليه مقالات علمية رصينة وصحفية حرة ومشاركات فكرية وعلمية متخصصة وثقافية جادة عمرت بها المؤتمرات العلمية المتخصصة والمنتديات الثقافية والنوادي الأدبية ومحافل وأروقة بعض الجامعات والأكاديميات ومجامع اللغة العربية على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية.
وتكريماً لجهود معالي الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب العلمية والإدارية وتقديراً لحضوره الفكري والأدبي البناء الزاخر الرصين، فقد قُلِّدَ معاليه ميدالية الاستحقاق من الدرجة الأولى من المملكة العربية السعودية، كما كُرِّم في حفل افتتاح معرض جدة الدولي للكتاب عام 2017م كرمز من الرموز الثقافية المبرزة التي أبلت عالمياً بلاءً حسنا في التأليف والتحقيق والنشر. كما حصل معاليه على الجائزة العربية في تحقيق التراث للعام 2018-2019م من معهد المخطوطات العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالقاهرة نظير سفره المكون من ثمانية مجلدات، المنوه عنه آنفاً، الموسوم «معجم مطبوعات التراث في المملكة العربية السعودية». الذي أصدره كرسي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها في جامعة الملك سعود عام 2015م. ويتضمن هذا السفر الثمين وصفاً دقيقاً لـ2984 كتاباً من كتب التراث التي طُبعت في المملكة العربية السعودية منذ دخول الطباعة في مكة المكرمة سنة 1300هـ - 1883م حتى قبيل تأليف الكتاب عام 2013م. كما كُرِّم معاليه في منتديات الوطن ونواديها الأدبية والثقافية وبعض جامعاتها الكبرى وعلى رأسها جامعة الملك سعود.
يسعدني قبل الختام أن أضع بين يدي قراء هذا المقال نبذة مقتبسة من بعض ما ورد في الكلمة الضافية الهادفة المؤثرة التي تَوَّج بها معالي أخي الحبيب الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب منتدى تكريمه في المجمع والتي جاء فيها ما يلي: «والحق أن لغتنا العربية الشريفة لغة الذكر الحكيم والنبي الكريم تمر هذه الأيام بأزمات عديدة وتُوَاجَه بتحديات شديدة تستهدف خنقها وعزلها والعدوان على ثوابتها والنيل من تراث علمائها والتشكيك في صلاحها ينعق بذلك ناعقون ويذيعه كاتبون جهلوا فضل هذه اللغة أو استحكم في قلوبهم الكره لتراث هذه الأمة. وساعد على ذلك تغول الثقافة الأجنبية بلغتها وعاداتها وممارساتها الغريبة على مجتمعاتنا مما يهدد بطمس الهوية الأصيلة ومسخ الشخصية العربية. ونحن ولله الحمد في هذه البلاد المملكة العربية السعودية الشامخة مهد العرب ومنطلق الإسلام متفائلون بمستقبل اللغة العربية ونتطلع إلى نهضة جديدة تتمتع بها اللغة بالحماية والرعاية خاصة وأن رؤيتنا رؤية 2030م تركز على الحفاظ على الهوية العربية الأصيلة والعناية بها وإبرازها وتجعل ترقية اللغة العربية من أهدافها المهمة. ونسأل الله أن يوفق الجميع لإحياء مجد اللغة العربية وجعلها فاعلة في مجالات الحياة المختلفة لتكون بلادنا في هذا المجال أنموذجا يحتذى لدى البلدان العربية الأخرى وما ذلك على الله بعزيز. فبلادنا ولله الحمد في هذا العهد الزاهر تعد قدوة في كثير من المجالات لكثير من دول العالم المتقدم».
وفي الختام أكرر بعض ما ذكرته آنفا أن معالي الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب جدير بتكريم مجمع اللغة العربية بمكة المكرمة له، إذ يعد هذا التكريم في الوقت نفسه تكريماً للأجيال التي تتلمذت على فكر معاليه ونهلت من مدرسة علمه وأدبه وخلقه وغَيرَتِه على دينه ولغته العربية التي أبلى من أجلها بلاءً حسناً. ولا شك أن هذا الجهد الكبير الذي بذله معاليه في خدمة اللغة العربية وترسيخ هويتها اللغوية سيظل بإذن الله محفوظاً في طيات مؤلفاته ودراساته وتحقيقاته العلمية القيمة التي تقلب صفحاتها أنامل الأجيال أطيافاً في الزمان والمكان فخراً واعتداداً أمام إكبار المنصفين وإجلالهم وعدالة المحكمين.