عبدالوهاب الفايز
القطاع الخيري السعودي مقبل على حقبة جديدة من التمكين والدعم، نقول هذا ونحن نرى المؤشرات على النقلة النوعية تتحقق بعد الاعلان عن قيام (مؤسسة الملك سلمان غير الربحية)، و(مؤسسة الرياض الخيرية). هذه سوف تكون كيانات قيادية للقطاع تعزز الدور الذي قامت به في السنوات الماضية مؤسسة محمد بن سلمان الخيرية (مسك)، وهي المؤسسة التي ادخلت البرامج والمشاريع الخيرية التي اتجهت للشباب، واستطاعت وبوقت قصير تعويض النقص الكبير في المشاريع الخيرية المخصصة لهذه الفئة العمرية المهمة، كما أن مدينة محمد بن سلمان الانسانية التي يجري انشاؤها ستكون (مدينة الصناعات الأساسية) الجديدة للقطاع الخيري السعودي. مؤسسة الملك سلمان غير الربحية سوف تضم مراكز الملك سلمان الثقافية التي تشمل متحف الملك سلمان، ومكتبة الملك سلمان في مشروع بوابة الدرعية، ومتحف المجتمع السعودي في حديقة الملك سلمان.
الملك سلمان - حفظه الله - وفي السبعين عاما الماضية أسس مدرسة في العمل الإنساني والخيري، وظل يعطي الاعمال الخيرية ما يعادل أو يفوق مهمات الحكم ومتابعة شؤون الناس والدولة. لقد أسس ورعى ودعم العديد من المؤسسات والجمعيات الخيرية في الرياض وفي مختلف مناطق المملكة. وحرص على بناء الكيانات غير الربحية التي ترعى الأعمال الإنسانية ذات الأثر الاجتماعي الكبير والممتد. وكان المحفز الأكبر لرجال المال والأعمال على دعم الأعمال الخيرية، مع حشد جهد الخبراء والمختصين ومختلف أبناء المجتمع. وزرع هذه النزعة الإنسانية الراقية المحبة للإحسان وبذل الجهد في أبنائه، وفي العاملين معه والقريبين منه، حيث اقبلوا على انشاء وإدارة ومساندة الكيانات غير الربحية. كان يريد العمل الخيري مساراً لممارسة المواطنة الحقة.. مسارا يساعد على الألفة والتراحم والتعاون بين المواطنين، ويتيح للموسرين إنفاق زكاتهم وصدقاتهم في مواضعها الصحيحة.
ونزعة الخير التي تتجدد في بلادنا، مدفوعة بالرغبة والحرص على بناء نماذج نوعية ورائدة في العمل الخيري السعودي، نتطلع إليها في مجالات جديدة خصوصاً في مجال العلاقات والشؤون الخارجية.
بالإضافة إلى الكيانات الكبرى التي أسست.. نتطلع إلى دعم هذه البنية الأساسية الجديدة عبر انشاء مؤسسة خيرية مستقلة وبصفة اعتبارية (تتخصص بالدبلوماسية الشعبية). هذه سوف تحقق لنا عدداً من الأهداف الوطنية، بالذات في هذه المرحلة التي تنشط فيها بلادنا خارجيا على جبهات عديدة وفي مجالات متنوعة، وأيضا مع توسع الاقبال العالمي على ممكنات وأدوات التواصل الاجتماعي والثقافي.
هذه المؤسسة سوف تتيح استثمار خبرة قيادات بلادنا ومسؤوليها العريقة في الدبلوماسيّة وفي العلاقات الدولية، خصوصاً الجيل الذي يتقاعد ومازال لديه القدرة والرغبة لخدمة بلاده. هؤلاء مكانهم الطبيعي المناسب مثل هذه المؤسسات. أيضا سوف تساند وزارة الخارجية في تحمل العبء الكبير الذي يواجه بلادنا في الشؤون الدولية. نحتاج مؤسسة وطنية داعمة لصناعة القرار السياسي. كذلك نحتاجها للتوسع في اعداد وتدريب الخبراء السعوديين المستقلين المتطوعين في كيفية التعامل مع الشؤون الدولية، وكيفية تطوير العلاقات بين الشعوب. الحمد لله أن لدينا الإمكانات البشرية، ولدينا الكيانات التجارية الكبرى، ولدينا انتشار طلابنا في جميع القارات، ونستعد لمناسبات دولية كبرى قادمة. لدينا اغلب عناصر القوة الأساسية لتطوير مشاريع الدبلوماسية الشعبية.
وأيضاً هذا الكيان غير الربحي المقترح سوف يتيح الفرصة لإطلاق جمعيات خيرية ومراكز أبحاث متخصصة بالدبلوماسية الشعبية في عدد من العواصم العالمية. هذه المؤسسة في نموذج عملها هي أقرب إلى مركز لإدارة المشاريع وتنسيق الجهود لاستثمار الانتشار والتواجد السعودي حول العالم الذي تعزز بعد تبني رؤية المملكة برنامج الشراكات الدولية، وبعد توسع علاقات بلادنا مع مختلف الكيانات الاقتصادية العالمية.
أيضاً القطاع الخيري السعودي يتعزز دوره المهم في قطاع التعليم. الوزارة تتبنى الان توسيع مساهمة صناديق الاوقاف والمؤسسات والجمعيات الخيرية في مراحل التعليم المتعددة، وانشاءات الوزارة ادارة عامة للمشاركة المجتمعية، والوزارة لديها خطة متكاملة لتطوير وتمكين هذا المسار. تاريخيا كانت الأوقاف هي التي تتصدى لمهمة التعليم والتأهيل في المجتمعات الإسلامية، والمسلمون كانوا روادا في هذا المجال. هذا التوجه الحكومي لتمكين القطاع غير الربحي في التعليم هو الأسلم والأفضل من توسع القطاع الخاص. التعليم حاجة إنسانية أساسية يحتاج الانتشار والجودة، والكيانات غير الربحية تتفوق في اخراج المنتجات. وعالمياً أفضل الجامعات والمؤسسات التعليمية تملكها وتضمن استدامتها المالية صناديق الأوقاف. وكذلك الحال في الصحة.
هذه الكيانات الخيرية الكبرى - المدعومة بالتوجهات الحكومية الاستراتيجية - ستكون قاطرة نمو القطاع في السنوات القادمة. لدينا هدف كبير ضمن مستهدفات رؤية المملكة وهو رفع نسبة مشاركة القطاع في اجمالي الناتج المحلي إلى 5 %، وهذا مستهدف طموح، ولكن ليس صعباً تحقيقه إذا أطلقنا المشاريع النوعية في المجالات الحيوية مثل التعليم، والصحة، والخدمات الإنسانية، والاجتماعية، وفي منظومة البيئة والاقتصاد الدائري.
القطاعات الحيوية للدولة وللناس الافضل أن يكون للقطاع الخيري الحصة الرئيسية فيها عبر تقديم الخدمات والمنتجات. في إطار تمكين القطاع الخيري، تم إقرار العديد من برامج المنح والإقراض المالي للكيانات الربحية، كما تم السماح بإنشاء الشركات غير الربحية. الهدف هو تحقق الاستدامة المالية والاقتصادية للمشروعات الخيرية. فتوسع ونمو الكيانات الخيري ودخولها بقوة في تقديم الخدمات سوف يساهم في خفض التكلفة على الحكومة وعلى المستفيدين بالذات في مجالات التعليم والصحة والخدمات الإنسانية.
فجوة الاحتياجات الكبيرة في هذه المجالات وسعت فرص الاستثمار للقطاع الخاص، ونجحت في تقديم الخدمات الضرورية للناس. ولكن هذه المبادرة من القطاع الخاص جلبت معها ارتفاع الأسعار للخدمات.
الان القطاعات الانسانية والاجتماعية الحساسة لحياة الناس هي مصدر الارباح العالية، ومنشآت القطاع الخاص الصحية تتسابق للاستثمار في هذه المجالات عالية الأرباح. ومؤشرات الربحية تجدها في سرعة نمو القطاع وانتشاره في الشوارع التجارية المكلفة، وتراها في الفخامة والتكاليف العالية، وفي الديكورات، وفي برامج التسويق والدعاية والإعلان. مع الأسف، كل هذه تكلفة كبيرة تضاف على فاتورة العلاج، وهذا ساهم في القفزات المتتالية في اسعار التأمين الطبي.
القطاع الخيري السعودي لديه سجل الانجاز المشرف في تاريخ بلادنا، فلدينا المبادرات النوعية الجريئة في اجتراح الحلول وتقديم الخدمات، وفي بناء نماذج التمويل الناجحة. والاهم لدينا القيادات، رجال ونساء، الذين أخلصوا لبناء المشاريع الخيرية الرائدة، وهذا الموروث الوطني يستثمره ويدعمه ويجدده الان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي العهد محمد بن سلمان، يحفظهما الله.