محمد سليمان العنقري
سوق العمل في المملكة شهد تطوراً هائلاً بالأنظمة والتشريعات ويعد بيئة جاذبة بامتياز وهو ما انعكس بنتائج إيجابية عديدة منها انخفاض البطالة بين المواطنين إلى 7.1 بالمائة وهو الرقم الذي كان مستهدفاً عام 2030 إضافة إلى أن نسبة البطالة لمجمل القوى العاملة من المواطنين والوافدين تمثِّل حوالي 3.3 بالمائة وهي متدنية جداً وتعكس قوة الاقتصاد الوطني والذي تقوده رؤية 2030 لآفاق التنافسية العالمية واستثمار كافة الإمكانيات الضخمة فيه لكن ذلك لا يمنع أن يكون هناك مراجعات مستمرة لبعض الأنظمة أو الممكنات المساندة في الرقابة وتطوير السوق خصوصاً مع التطورات المتسارعة محلياً وعالمياً في جذب الاستثمارات واستقطاب الكفاءات واستثمار رأس المال البشري الوطني الذي تنفق عليه الدولة مبالغ ضخمة بالتعليم والتأهيل محلياً وخارجياً ليكون ركيزة النمو الاقتصادي.
فمن الأمور التي نأمل النظر بها المادة 77 التي تتضمن شرطاً ينطبق على العقود محددة المدة ذكر في البند الثاني فيها والذي ينص على أن يدفع الطرف الذي يطلب إنهاء العقد قبل انقضائه «أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة» وظاهر المادة يعطي التساوي بين الطرفين على تعويض الضرر المترتب من طلب إنهاء العقد لكن هناك إشكالية تجعل الضرر على العامل يبدو أكثر تأثيراً، فالتنافسية ستقتل في السوق، إذ إن العديد من الموظفين تأتيهم فرص عمل أفضل لهم من حيث الدخل والمزايا ولكن إذا كان متبقياً في عقده مدة طويلة فسيضطر لدفع الراتب الأساسي عن كل شهر متبقٍ من العقد حتى يحصل على مخالصة وهذا قد يعادل نسبة كبيرة مما تقاضاه في المنشأة بفترة سريان عقده وإذا لم يتمكّن من توفير المبلغ المطلوب فسيفقد الفرصة الأفضل التي قد لا تتكرر بسهولة له كما أن المنشأة تكون استردت مبلغاً كبيراً مما دفعته له وحصلت على خدماته بالفترة التي عمل بها لديهم وكأنه عمل لفترة ما مجاناً لديهم، فالمنشآت يمكنها تعويض العامل ببديل عنه بفترة قصيرة خصوصاً الكيانات الضخمة التي تحقق إيرادات وأرباحاً كبيرة فطلبات التوظيف لديها بمختلف التخصصات متاحة بخيارات كثيرة، فالعامل ليس بأكثر قوة مالياً وحتى كفرص من المنشأة وقد يكون مقبولاًً أن يعيد ما دُفع عليه من رسوم دورات أو مزايا معينة لكن أن يدفع رواتب المدة المتبقية أو يعتذر عن فرصة أفضل فهو أمر يحتاج لإعادة نظر فالتنافسية المطلوبة هي أن تقدم المنشأة مزايا تجعل العامل يتمسك بها ولا تغريه العروض الأخرى بسهولة لكن أن يعطى دخلاً أقل من متوسط السوق فمن الطبيعي أن يبحث عن فرص أفضل وهو ما ترمي له آلية السوق القائمة على دعم التنافسية فالمادة قد تؤدي لعدم اهتمام بعض المنشآت بتحسين أوضاع العاملين لديها قياساً بتطورات السوق لأنه ملزم بمدة العقد أو يدفع ليخرج وليس الكل قادراً على ذلك كما أن المادة الثامنة من نظام العمل بحسب آراء قانونيين تحتاج لتوضيح أكثر
ومن الأمور اللافتة قيام بعض المنشآت ومنها ذات حجم كبير بقطاعاتها بإرهاق العاملين بساعات عمل وأيام طويلة، فبعضهم يقوم بتشغيل العامل عشرة أيام حتى يمنحه إجازته الأسبوعية وصحيح أنه يعوِّضه بيومي راحة لكن هناك جهداً بدنياً وذهنياً يستنزف العامل خصوصاً أن بعض تلك المنشآت تعمل بمجالات لها حساسيتها فأحياناً يشغلون العامل اثنتي عشرة ساعة ليوم واحد ومن ثم يعود للعمل باليوم التالي ومع عدد أيام طويل ومتواصل وكل ذلك بدون تعويض أجر إضافي يكتفون فقط بمنحه يومي راحة بعد هذا العناء. وأما عن الأسباب فهي تتمثَّل بأمر واحد فقط أن حاجة العمل تكون لعدد أكبر من الموظفين لكنهم يقلّصون العدد للتوفير ويكون ذلك على حساب العاملين ببذلهم لمجهود كبير وهو ما يتسبب بملل سريع للعامل، والبدء بالبحث عن عمل آخر وحتى لو كان ذلك بدخل أقل ولكن هنا يطرح تساؤل ما هو دور اللجان العمالية التي يجب أن يكون لها دور بالرقابة داخل المنشأة فعدد المنشآت حوالي 1.3 مليون والرقابة عليها في ما يخص طريقة تشغيلهم لموظفيهن تحتاج لعيون داخل المنشآة وهنا لا بد أن تكون اللجان العمالية هي الأقرب لما يدور داخل كل منشأة فكيف ينعكس ما ذكرته بمهامها من تمثيل للعمال ودور في منظومة سوق العمل إذا لم تكون قريبة مما يجري داخل المنشآت التي لديهم ممثلون فيها، فالوزارة تؤدي الدور الرقابي بفعالية عالية ولكن أيضاً تحتاج لدور مساند من اللجان التي نسمع بها ولكن لا نعلم ماذا قدمت أو عملت
سوق العمل يتطور سريعاً مواكباً النمو الاقتصادي وهو ما يمثِّل تحدياً مستمراً أمام الجهات التنظيمية لمواكبة احتياجاته والوزارة تقوم بتحديث الأنظمة كل ما دعت الحاجة لذلك لكن لا بد أن تتعاون معها بقية أطراف السوق بشكل أكبر وخصوصاً اللجنة الوطنية للجان العمالية وكذلك العاملون بإبلاغ الوزارة عن أي مخالفات يتعرضون لها ببيئة العمل، فالحقوق محفوظة ومصانة والأنظمة واضحة وصارمة في ضبط السوق.