فيصل بن محمد فياض البارودي
تشهد المملكة العربية السعودية حراكاً متواصلاً في مجال الحوكمة لم يسبق له مثيل في دول العالم وعلى أعلى مستويات الدولة، حيث:
1 - صدر أمر ملكي كريم برقم أ/45 في يوم الخميس 4 صفر 1446هـ الموافق 8 أغسطس 2024م، بخصوص انعقاد مجلس الوزراء وآلية اتخاذ القرارات في حال عدم حضور خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، أو سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، أو أي من نوابه.
2 - كما صدر في يوم 24 محرم 1446هـ الموافق 30 يوليو 2024م، قرار مجلس الوزراء الكريم رقم 92 المعتمد من سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، المتضمن الموافقة على الدليل الاسترشادي لحوكمة الجهات العامة.
3 - كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 68 بتاريخ 17 محرم 1446هـ الموافق 23 يوليو 2024 المعتمد من سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بالموافقة على نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ليحل محل نظام الهيئة الصادر بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم 165 في 28 جمادى الأولى 1432هـ الموافق 2 مايو 2011م.
4 - وفي 17 شعبان 1445هـ الموافق 27 فبراير 2024 صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 687 المعتمد من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، القاضي بالموافقة على الإطار الوطني المحدث لتنظيم إدارات الحوكمة والمخاطر والالتزام والمراجعة الداخلية.
5 - ومن منطلق ترسيخ أسس ومبادئ النزاهة ومكافحة الفساد على المستوى الوطني وعلى المستوى العربي، رعى سمو سيدي ولي العهد حفظه الله الملتقى العربي لهيئات مكافحة الفساد ووحدات التحريات المالية، الذي استضافته كل من رئاسة أمن الدولة وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) في 15-16 مايو 2024، والذي خرج بعدة توصيات تسهم في تعزيز قيم النزاهة ومكافحة الفساد.
هذا وقد انعقد مؤتمر المراجعة الداخلية بنسخته العاشرة في الرياض في 11و12 سبتمبر 2024 تحت عنوان أفق واعد، وإحدى ثمرات هذا المؤتمر الإعلان عن إطلاق برنامج الحوكمة وإدارة المخاطر والالتزام GRC بالتعاون مع جامعة كامبريدج، اتساقاً مع توجهات قيادة الدولة للارتقاء في هذا المجال وترسيخ أسسه بشكل منهجي علمي وعملي.
تعكف القيادة والحكومة الرشيدتين على تعزيز مفاهيم المسؤولية والشفافية والعدالة والنزاهة، ومساءلة المسؤولين على تحقيق النتائج المستهدفة في منشآت القطاع العام، والعمل على تحقيق هذه النتائج بأعلى كفاءة ممكنة وترشيد الإنفاق ما أمكن، من خلال التركيز على الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وتوجيهها التوجيه الصحيح، دون إخلال بجودة الخدمات المقدمة والتي تمس المواطنين والمقيمين على حد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
إن اهتمام قادة المملكة بالحوكمة وتعزيز قيم النزاهة والعدالة وحفظ الحقوق، ليس وليد اللحظة أو أنه أمر طارئ على أعمال وخدمات الدولة، فمنذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، والدولة السعودية تلتزم بالتعاليم والقيم الإسلامية السمحة التي تجرم الاعتداء على الآخرين وأموالهم وممتلكاتهم سواء كانوا أفراداً طبيعيين أو اعتباريين من القطاعين العام والخاص، وقامت بسن الأنظمة والتشريعات التي تحارب الفساد وتحافظ على مقدرات الدولة وعلى المنشآت الاقتصادية الحكومية والخاصة، وهذا ما تضمنته التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية الصادر في 21 صفر 1345هـ الموافق 31 أغسطس 1926م، الذي تناول عدة مواد لتنظيم أعمال «الأمور المالية»، ومهام واختصاصات «ديوان المحاسبات»، إضافة إلى مهام واختصاصات «المفتشية العامة»، ضمن أقسام التعليمات الأساسية للمملكة، وسار على هذا النهج أبناء الملك عبدالعزيز رحمه الله، ملوك المملكة العربية السعودية وحتى يومنا هذا.
ففي عهد الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله ومع صدور نظام مجلس الوزراء بتاريخ 12 رجب 1373هـ الموافق 17 مارس 1954م، تم تعديل الارتباط التنظيمي «لديوان المحاسبات»، ليكون ضمن الشُعَب التي يتألف منها ديوان رئاسة مجلس الوزراء، وتغيير مسماه إلى «مراقبة حسابات الدولة».
وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله صدر المرسوم الملكي رقم م/9 في 11-2-1391 هـ الموافق 7 أبريل 1971م، المتضمن صدور نظام ديوان المراقبة العامة والذي يتمتع بالاستقلالية التامة ويرتبط بمجلس الوزراء مباشرة، والذي من مهامه يقوم بمهام الرقابة اللاحقة على جميع إيرادات الدولة ومصروفاتها، وكذلك مراقبة كافة أموال الدولة المنقولة والثابتة ومراقبة حسن استعمال هذه الأموال واستغلالها والمحافظة عليها، ومدى التزام الأجهزة الحكومية بالأنظمة المالية والإدارية، إلى جانب الرقابة على أداء تلك الأجهزة، ويمارس الديوان مهامه الرقابية وفق «منهجية» محددة من خلال مراجعين متخصصين لديهم المعارف والمهارات والخبرات المهنية في مجالات الرقابة المالية والالتزام والأداء، وتشمل رقابة الديوان كافة الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، إضافةً إلى المؤسسات الخاصة والشركات التي تسهم الدولة في رأس مالها بما لا يقل عن 25 % أو تضمن لها حداً أدنى من الأرباح.
واستمر الحال كذلك في عهدي الملك خالد بن عبدالعزيز والملك فهد بن عبدالعزيز رحمهما الله، ويتضح ذلك جلياً في العديد من المواد الواردة في النظام الأساسي للحكم الصادر في 27 شعبان 1412هـ الموافق 1 مارس 1992م، حيث كان الاهتمام بحفظ المال العام والحقوق والأموال الخاصة، إضافة إلى اختصاصات مجلس الوزراء ومسؤولية نواب رئيس مجلس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء التضامنية أمام الملك عند تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة، وكذلك تفويض بعض الصلاحيات لولي العهد، وكذلك الرقابة على جميع إيرادات الدولة ومصروفاتها والرقابة على أموال الدولة ومراقبة الأجهزة الحكومية والتأكد من حسن الأداء الإداري وتطبيق الأنظمة.
** **
مراجع داخلي معتمد CIA مستشار مراجعة داخلية وحوكمة ورقابة