خالد بن عبدالرحمن الذييب
عندما كنت صغيراً أتى أحد الأقرباء بقطة، وربط ذيلها بقطعة قماش، فبدأت القطة بالدوران حول نفسها لمسك هذه القطعة، سكن هذا المشهد مخيلتي إلى هذه اللحظة، فهذه القطة إذا تركناها ستمكث العمر كله بالدوران حول نفسها ولن تمسكها وسينتهي بها المطاف إلى أن ترهق وتتعب، وتستريح ثم تعاود المحاولة دون أن تصل إلى نتيجة إلا زيادة الإرهاق فقط.
الإنسانية في بحثها عما وراء الطبيعة وما يمكن تسميته «بالعقل النظري» مثل القطة التي تدور حول نفسها لمسك القطعة ولن تستطيع مسكها. فعلى الرغم من تقدم الإنسانية في مجالات التقنية، كما يشير نيفيل واربورتون في كتابه «أسس الفلسفة» وما صنعته من ابتكارات عدة غيرت مجرى حياتنا إما سلباً أو إيجاباً، إلا أنها في الماورائيات لم تفعل شيئاً. وربما ذلك لآن «العقل النظري» يدور في حلقة لا يستطيع أن يتجاوزها، فالعقل النظري للإنسان لا يتطور، ولكنه «يتحرك» بشكل حلقي وكأن عقل الإنسان في الماورائيات يتحرك بشكل دائري وأقصى ما يمكن فعله هو تغيير المكان ولكن دون تغيير الاتجاه.
مشكلة العقل النظري أنه لا يستطيع الخروج من فكرة تصور البداية، والنهاية، واللانهاية في الزمان والمكان، ففكرة سلسة «العلة والمعلول» يصعب على العقل تصورها، لأننا من جهة لا نستطيع تصور سلسلة لا نهاية لها، ومن جهة ثانية تكّل عقولنا عن تصور علة أولى لا علة لها. وكأن هذه البديهية - بديهية العلة والمعلول - وجِدَتْ لتكون سبباً في تفكيرنا ولتثبت ضعفنا أمام قدرة الله لنستمر ندور في نفس الحلقة. فالإيمان بلحظة البدء أمر صعب، والإيمان بأزلية الكون صعبٌ آخر.
إن هذه الفكرة «العلة والمعلول» بقدر ما تثير التساؤلات والشك، إلا أنها في النهاية هي الدليل الأول للإيمان، وكأن هذه الفكرة البديهية المولودة معنا «فكرة العلة والمعلول» هي قطعة القماش المربوطة في ذيل القطة والتي ستدور وتدور في محاولة المسك بها، ولكنها في النهاية ستقف عاجزة بعد أن تكل وتتعب، وتستسلم للأمر الواقع وتنظر إليك نظرة استعطاف وكأنها تقول لقد انتهيت، وهكذا هي البشرية مع الله سبحانه وتعالى، تدور وتدور للبحث عقليا عن إجابة سؤال لا تستغني عن اليقين في الإجابة عنه، فالعقل واليقين يقولان «كل شيء له علة إلا خالق العلل لا علة قبله».
أخيراً...
العقل حده الطبيعة وما أمامها، أما ما وراءها فهو غيب يصعب إيجاد حلول أو نظريات أو أفكار يمكن تطبيقها.
ما بعد أخيراً..
العقل النظري سيستمر في الدوران حول نفسه مثل قطتنا أعلاه، يتحرك ولا يتطور.