عصام بن عبدالله الفريح
في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024م الذي أقامته هيئة الأدب والنشر والترجمة تحت عنوان (الرياض تقرأ) في المدة من 26 سبتمبر حتى 5 أكتوبر 2024م بجامعة الملك سعود بمشاركة رواد الثقافة والأدب والفكر من المملكة والمنطقة والعالم، وشارك فيه أكثر من 2000 دار نشر ووكالة من المملكة والمنطقة والعالم موزعة على 800 جناح، وتنتمي إلى أكثر من 30 دولة.. التقى في الباحة الخارجية للمعرض خمسة شبان يحملون عددًا من الكتب في شتى المعارف والعلوم، وهم: تميم، وأحمد، ورياض، وياسر، وخالد، فأخذ كل واحد منهم ينظر بشغف إلى ما يحمله غيره من كتب، ويكاد يسأله عما معه من باب الفضول.
ألقى أحد الشباب السلام، وقبل أن يتلقى الرد سأل الباقين عما معهم من كتب؟ فقال أحدهم: يا أخي، نتعرف أولًا، فبعد ذكر أسمائهم، تبسم أحمد باندهاش، فسألوه متعجبين عما يضحكه؟ فقال بعد أن هدأت مشاعره: يا شباب، مصادفة غريبة عجيبة أن تبدأ أسماؤنا بحروف تاء والألف والراء والياء والخاء فهذه الحروف مجموعة تشكل كلمة (تاريخ) وهو مجال معرفي أحبه وأعشقه، ولكن تغيب عني حقيقته، ولا أعرف معناه على وجه اليقين، فهل تعرفون؟
فأخذ كل واحد منهم يدلي بدلوه؛ رغبة في تقديم إجابة واضحة أو توضيح شافٍ، ضاربين أخماسًا في أسداس، وذاهبين كل مذهب شرقًا وغربًا في حقول المعرفة المختلفة، فما اقتنع أحمد برأي أو رضي عن تعريف، فاتفق خمستهم على الذهاب إلى (جامعة المعرفة) وعلى بابها التقوا الأستاذ الجامعي (قلم) المتخصص في التاريخ القديم، فسألوه عن معنى التاريخ؟ فقال لهم: لن أجيبكم أنا، وإنما لدي خمسة طلاب نابهون سيقدمون لكم إجابات شافية وتعاريف وافية توقفكم على مفهوم التاريخ؛ لأن هؤلاء الطلاب يمثلون حقيقته، ويعدون مكوناته، فأما الأول فهو (وثائق) والثاني (مخطوطات) والثالث (دوريات) والرابع (مذكرات) والأخير (يوميات).
فتقدم وثائق، وقد عرك عينيه بعد أن تثاءب مرارًا قائلًا: نحن أوعية تحتوي على معلومات تتعلق بأعمال ومصالح الدولة، سواء نتجت هذه الأوعية عن عمل من أعمال أجهزتها أو من سواها، ما دام أن الأمر يقتضي حفظها للحاجة إليها أو لقيمتها.
رائع، هكذا علق الأستاذ قلم على كلام وثائق، وأومأ المخطوطات بأن يتحدث، فقال: نحن الكتب التي نسخها العلماء أو تلاميذهم بأقلامهم أو نقلها الثقات عن تلك النسخ السابقة، أو صورت عن النسخة الأصلية؛ ولذلك تمثل المخطوطات المصادر الأولية لجميع المعلومات.
أحسنت يا مخطوطات، وأستاذك يضيف: هناك الكثير من المخطوطات التي ما زالت في خط اليد، ولم تطبع حتى الآن، والآن أتى دورك يا دوريات، فماذا عندك؟
انتصب دوريات واقفًا ليقول: وأما نحن فما يصدر من المطبوعات في أوقات محددة ومتتالية (منتظمة وغير منتظمة الصدور) ولها عنوان يميز الواحدة من الأخرى، وتتناول آخر الموضوعات باختصار وتركيز، وعلاوة على ذلك نحن كل مطبوع يصدر في أعداد متتالية، وتحمل أعداده ترقيمات أو تواريخ الصدور مع الاستمرارية في الصدور.
وفيت وكفيت يا دوريات، وما تركت لأستاذك زيادة أو إضافة، وأنت يا مذكرات، ماذا عندك؟، وما تحمل في جعبتك؟
قدح مذكرات زناد فكره وذكره بعد أن عبث مرارًا في شعره الكثيف قائلًا: سألتم خبيرًا، وقصدتم عليمًا، وفوق كل ذي علم عليم، فأما نحن فنوع من أنواع الكتابة التاريخية وثيق الصلة بالسيرة الذاتية، والفرق بين السيرة الذاتية والمذكرات هو أن الأولى تروي قصة حياة الكاتب، وتسجل خبراته ومنجزاته في المقام الأول، على حين تُعنى الأخرى (أي المذكرات) قبل كل شيء بوصف الأحداث وتعليلها، وبخاصة تلك التي أدى فيها كاتب المذكرات دورًا أو تلك التي عايشها أو شهدها من قريب أو بعيد، ومن هنا وقوعها في منطقة متوسطة بين (موضوعية) التاريخ و(ذاتية) السيرة الذاتية.
لا فض فوك يا مذكرات، فقد أصبت كبد الحقيقة حقًّا، وما تركت لأستاذك مقالًا أو تعليقًا، والآن مع خاتمة المطاف، حيث كلنا آذان مصغية لنستمع إلى مسك الختام مع يوميات.
عبث يوميات مرارًا وتكرارًا في عثنونه الجميل، ثم قال في زهو: نحن عبارة عن سجلات على هيئة كتب تحتوي على مداخل منفصلة مرتبة على حسب تاريخ الإبلاغ عما حدث خلال يوم أو أي فترة أخرى، فاليوميات من أجل المؤسسات تؤدي دورًا في العديد من الجوانب الإنسانية بما فيها السجلات الحكومية والأعمال التجارية ودفاتر الحسابات والسجلات العسكرية، فقد تحتاج المدارس وأولياء الأمور لتعليم أولادهم الحفاظ على اليوميات من أجل تشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم وتعزيز الفكر.
وختم الحديث الأستاذ «قلم» بقوله :علوم متنوعة ومصادر متعددة جمعتها كلمة «تاريخ».