سطام بن عبدالله آل سعد
يعاني العديد من المواطنين من مشكلة متكررة في ورش إصلاح السيارات، حيث تتحول السيارة التي كانت تمثل وسيلة نقل وأمان إلى مصدر قلق وهدرمالي. تنتشر مئات الورش في مدننا، وغالبًا ما يديرها عمالة تفتقر إلى المؤهلات والشهادات، مما يؤدي إلى سوء الصيانة ويضع السيارات ضحية لضعف الخبرة. ففي كثير من الأحيان، تخرج السيارة من الورشة بحالة أسوأ مما كانت عليه، مما يضيف أعباء مالية إضافية على صاحبها. ويدفع المواطنون مبالغ طائلة مقابل خدمات غير مجدية وقطع غيار باهظة دون الحصول على حلول فعلية.
هذا الوضع يطرح تساؤلًا ملحًا: لماذا تسيطر العمالة غير المؤهلة على هذا السوق الاقتصادي الحيوي؟ لماذا لم تفرض اشتراطات تضمن امتلاكهم للمهارات والشهادات المطلوبة بدلًا من السماح لهم بالتعلم على حساب سياراتنا التي تكلفنا مئات الآلاف؟ إلى متى ستظل هذه الفوضى التي تستنزف جيوب المواطنين؟
إنّ تبني نموذج يعتمد على التحول الرقمي الكامل لقطاع الصيانة والإصلاح لن يحل فقط مشكلة العمالة غير المؤهلة، بل سيفتح الباب أمام الشباب السعودي المؤهل للدخول في هذا السوق الضخم. حيث يمكن من خلاله إنشاء نظام وطني موحد مستدام يتكامل مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص ليكون نقلة نوعية في هذا النشاط ويعالج مشاكله المتراكمة. هذا النظام يمكن أن يشمل العناصر التالية:
1. منصة رقمية شاملة للورش المعتمدة: إنشاء منصة وطنية تتيح للمستهلك الوصول إلى ورش الصيانة المعتمدة، مع سجل رقمي لكل ورشة يوضح تاريخها المهني وتقييمات العملاء السابقة، بالإضافة إلى آلية تقديم الشكاوى وحل النزاعات بشكل شفاف وسريع.
2. ربط الصيانة بأنظمة التأمين والضمانات: تطوير نظام يربط إصلاح السيارات بشركات التأمين لتغطية تكاليف الصيانة والإصلاح، مع توثيق جميع عمليات الإصلاح في نظام مركزي يضمن الشفافية ويمنع التلاعب.
3. تصنيف الورش وفقًا لمعايير دولية: اعتماد نظام تصنيف للورش على مستوى المملكة وفقًا لمعايير الجودة والالتزام بالمعايير الفنية، مما يحفز الورش على تحسين خدماتها وتقديم قيمة حقيقية للمستهلك.
4. إطلاق تطبيقات رقمية للتشخيص: إدخال تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتمكين الورش من تشخيص مشاكل السيارة أمام صاحبها بشكل فوري ودقيق، مما يعزز من وعي المستهلك ويمنع التلاعب.
التحول الرقمي لا يهدف فقط إلى تنظيم قطاع الصيانة، بل يساهم في تصحيح مسار العمالة. فالورش المعتمدة التي تلتزم بمعايير الجودة ستصبح الخيار الوحيد للمستهلكين، مما يجبر الورش الأخرى على تحسين مهارات عمالها أو الخروج من السوق. وبذلك، ستساهم هذه الحلول الرقمية في تقليل سيطرة العمالة غير المؤهلة وتفتح المجال أمام الشباب السعودي المؤهل للاستفادة من هذا السوق بما يخدم الاقتصاد الوطني ويضمن جودة الخدمات المقدمة.
ويبقى السؤال الجوهري: أين هم خريجو قسم ميكانيكا السيارات في كليات التقنية والمعاهد الصناعية من هذا السوق الكبير الذي تهيمن عليه عمالة غير مؤهلة؟ فرغم استثمار الدولة المليارات في تأهيل شبابنا إلاّ أنهم لم يجدوا الفرصة لدخول هذا القطاع الغني.
التحديات كبيرة، لكن الحلول ممكنة..
** **
- مستشار التنمية المستدامة