د. عيد بن مسعود الجهني
الكتابة عن استراتيجية بحجم الرؤية 2020 - 2030 رؤية ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بدعم ورعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ليس بالأمر الهين، هذا لأن وجودها على أرض الواقع يمثل استشرافا للحاضر والمستقبل، طموحات قابلة للتحقيق على المدى المتوسط أو البعيد.
الاستشراف في الحاضر والمستقبل في حقيقة الأمر أصبح يوازي اليوم العلوم الأخرى، يدرس في عديد من الجامعات الكبرى، ويعد موضوعا مهما جدا له مكانته في الجامعات ومراكز البحوث المعروفة دوليا.
وله قواعده وأصوله والدول المتقدمة تعتمده لخططها واستراتيجياتها التي يتم وضعها وبناؤها من خلال رسم الخطوط العريضة للخطط والاستراتيجيات التي يمكن للدول أن تحولها إلى حقيقة واقعة.
فالاستشراف عملية منهجية تقوم أساسا على جمع المعلومات المستقبلية، ووضع خطط واستراتيجيات متوسطة أو طويلة الأجل، هدفها اتخاذ قرارات جريئة قابلة للتنفيذ في الحاضر والمستقبل.
ويمكن القول إن الاستشراف يتمثل في تعريف مبسط قدرته على إدراك كل المتغيرات والأبعاد المستقبلية والعمل على خلق فرص جديدة تتماشى مع المتغيرات والأبعاد المستقبلية المتوقعة وتشكيل مستقبل جديد مزدهر ونماء مستمر وتنمية مستدامة.
لذا استشراف المستقبل أصبح في عالم اليوم من أهم الضرورات، خاصة والمنظومة الدولية تشهد تغيرات مهمة تحدث بين يوم وآخر وبشكل متسارع أحداثا جسيمة الواحدة تلو الأخرى على مستوى الدول والمنظمات والمجتمعات مما أضحى معه زيادة حجم التطلعات بشكل متزايد وملح.
لهذا فإن الاستشراف إذا كانت الإدارة علما وفنا فإن الاستشراف لا يقل عنها أهمية، بل يزيد وهو في عالم اليوم فن وعلم، يمكنه تشكيل صورة وحقيقة المستقبل، بل إنه مهارة عملية ترسم سياسة محددة يمكن أن تصبح واقعا ملموسا يمكنه أن يرفع من أداء العمل الحكومي والخاص على حد سواء بناء على أسس ومعايير جديدة مبتكرة.
وبهذا فإن استشراف المستقبل له القدرة على النظر في تطورات المستقبل واحتياجاته، كما أن له القدرة أيضا على معرفته الأبعاد المستقبلية لمساعدة الدول والقطاع الخاص على بناء المستقبل، بل يجعل الدول تنظر في المستقبل وخلقه أو تشكيله.
لذا فإن الحاجة إلى استشراف المستقبل يوما بعد آخر متزامن مع المتغيرات المتسارعة التي يشهدها عالمنا اليوم خاصة في ميدان العلوم والتكنولوجيا وثورتها المتسارعة في مجال النت والكمبيوتر والبريد الإلكتروني والهواتف.. الخ، مما جعل بروز أساليب عمل وخطط واستراتيجيات ورؤى جديدة أمرا حتميا، ولذا فإن الرؤية ركزت على استشراف مستقبل يبشر بالخير والنماء والازدهار لبلاد الحرمين الشريفين التي عاشت ماضيا مشرفا وحاضرا شهد ويشهد تطورا في جميع الأصعدة.
لذا يعد إعلان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 17 رجب 1437هـ الموافق 26 إبريل 2016 ميلاد الرؤية يوما تاريخيا عظيما يبشر بالخير والنماء والرفاهية ومستقبل زاهر وتنمية مستدامة.
وهي الرؤية في مفهومها العام (صناعة التاريخ)، من خلال نظرة ثاقبة للمستقبل مستغلة الميزات العديدة التي وهب الله هذه البلاد فيها من ثروات طبيعية وموقع استراتيجي بين قارات ثلاث والأهم وجود الحرمين الشريفين على أرضها الطاهرة التي نزل عليها دين الله الخالد.
وصناعة التاريخ ليست قدرا مقدورا على الإنسان قبولها، إنما حقيقة الأمر أن الإنسان هو من يصنع التاريخ ويحول مساره عمليا ونظريا، ويخلق ميلاد مجتمع جديد حاضرا ومستقبلا ودفع عجلة النهضة في جميع عناصرها وخلق اقتصاد جديد وتنمية مستدامة وتطور ونماء في كافة المجالات والرؤية شرحت هذا الهدف المهم تفصيلا.
فهي راعية الحرمين الشريفين تستقبل الحجاج والمعتمرين والزوار من كل دول العالم.
الوحي نزل على أرضها في قبلة المسلمين.
مكة المكرمة والمدينة المنورة يحتضنان الحرمين الشريفين.
تتعلق نفوس المسلمين جميعا نحو ملياري بشرف الحج والعمرة والزيارة والصلاة بهما.
دين الله الخالد انتشر في كل قارات العالم من مكة المكرمة والمدينة المنورة.
والقيادة الصالحة هي التي تتبنى (بقوة) الرؤية وتسعى حثيثا، تخطو بخطوات ضمن قرارات جريئة تجعل البلاد والعباد في مصاف الدول والشعوب المتقدمة لصناعة تاريخ جديد لمستقبل مشرق واعد بعناية الله، لتهيئة المناخ السليم والبيئة المناسبة التي تحقق الأهداف العريضة من خلال نظرة ثاقبة للمستقبل تحقق أهداف الرؤية مستغلة كل العوامل التي تتمتع بها بلاد الحرمين الشريفين من سياسية واقتصادية ونفطية ومعدنية ومركز استراتيجي فريد.. إلخ.
بلاد الحرمين الشريفين لها مكانتها الدولية بين منظومة أعضاء الأمم المتحدة والعلاقات والسياسة الدولية، إنها مكانة مرموقة تتمتع بها، وهي تعد في علم الاقتصاد في مقدمة اقتصادات الشرق الأوسط، وتمثل المرتبة الـ(19) من بين أكبر اقتصادات العالم، عضو مجموعة العشرين، التي تسيطر على (85) في المائة من إجمالي الناتج القومي والتجارة العالمية، وعضو في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين يسيران السياسات الاقتصادية الدولية إلى حد كبير.
وبلاد الحرمين الشريفين صاحبة احتياطي نفطي كبير أكثر من (261) مليار برميل وتمثل المرتبة السادسة في احتياطي الغاز التي ستصبح في المستقبل المنظور من الدول المتقدمة فيه طبقا لرؤية 2020 - 2030.
والمملكة كنز الثروات المعدنية تنتشر في أكثر من 5300 موقع، وتقدر قيمتها بنحو خمسة تريليونات ريال، بما في ذلك عدد من المعادن الأكثر وفرة.
وتوضح الرؤية أن أحد أهم أهدافها تنويع مصادر الدخل فإن الظروف تحتم الإسراع في عملية تنويع المصادر بتنويع قاعدتها الإنتاجية من أجل التحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج الذي ظل تعافيه يتطلب مشاركة جميع القطاعات في عملية التنويع لبناء اقتصاد منتج بعيدا عن عباءة السلعة الواحدة (النفط) الذي مثل لعقود عديدة الاعتماد على إيراداته بشكل أساسي يبلغ ما بين 80 و85 في المائة من إيرادات الميزانية.
وقد أكدت الرؤية أن التعليم روح المجتمع، أكثر الأمور إمتاعا للنفس، العلم هو الذي يزين الإنسان ويزيده جمالا، وهو جواز سفر المستقبل، زينة في الرخاء وملاذ في المستقبل، إنه نهر كلما شرب منه طالب العلم لا يرتوي وعلى قدر ما نأخذه من العلم نبقى بحاجة إلى المزيد منه.
يقول الإمام الشافعي:
رأيت العلم صاحبه كريم
ولو ولدته آباء لئام
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة