سهوب بغدادي
انطلاقًا من اعتماد الأمم المتحدة ست لغات محورية للعمل بها وهي: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والصينية، والروسية، والإسبانية، يتبادر إلى الأذهان أن تلك اللغات المعمول بها ذات أفضلية وأهمية كبرى، وذلك من نواحٍ عدة، سواءً كانت لعدد متحدثيها أو هيمنتها في ظل الثورة الرقمية المعاصرة التي نعيش في جنباتها بشكل يومي، فمن لغة الشات والتقنية والخصائص الأخرى التي تميز كل لغة عن مثيلاتها وصولًا إلى الاستراتيجيات التي تثري لغة ما وتغذيها وتجعلها أكثر مرونة ومواءمة كالتعريب والترجمة والنقحرة وما إلى ذلك، يبرز لنا في هذا الموضع تساؤل لطالما حيَّر أهم الاختصاصيين وأثار جدالا محتدما ألا وهو: «هل اللغة العربية أفضل اللغات؟» بالطبع، هناك العديد من الأقوال والآراء التي لايمكننا إغفالها بمعزل عن الانغماس في العاطفة والحميّة القومية بالرغم من صعوبة هذا الأمر عليَّ شخصيًا، إلا أن هناك إصدار قيم من دار جداول ألقى الضوء على ذاك التساؤل بطريقة أكاديمية راقية للكاتب خالد القعيب بعنوان: «هل اللغة العربية أفضل اللغات؟ محاولة لبناء معيارٍ للتفاضل»، إذْ رأى المؤلف في نتاجه أنه من المبكر الإجابة عن السؤال، سواء أكانت الإجابة بالنفي أم بالإيجاب، ما لم تكن هناك قواعد علمية ناظمة لجدل التفاضل. قدم المؤلف دراسة موجزة لإرساء منهجية علمية بغية إيجاد نظري يضبط طرق الاستدلال، والبحث عن أنسب الطرق للإجابة عن مدى أفضلية العربية من عدمها.
ناقش المؤلف حجج المؤيدين واعتراضات المنكرين مناقشة نقدية، ثم أوضح أن ما تتميز به اللغة العربية احتواؤها على 13 ميزة لغوية:
1- لغة قديمة وحية. 2- تنوع الأوزان الشعرية. 3- الوفرة المعجمية. 4- الإعراب. 5- الترتيب الحر لمكونات الجملة. 6- كثرة حروف المعاني. 7- الاشتقاق. الأوزان الصرفية. 9- تعدد مواضع الحذف. 10- الحمل على المعنى. 11- التخفيف الصوتي. 12- الثراء الزمني. 13- التناسق المنطقي.
ورأى الكاتب أن أفضلية العربية تكمن في احتوائها على المزايا السابقة، وأن القول بأفضلية العربية فرضية مقبولة ما لم يأتِ ما يفنِّدها. واقترح أربع طرق لتفنيد أفضلية العربية، متبعا في ذلك منهجية كارل بوبر.
وإذا كان للقارئ أن يقتنص الصوت الداخلي للمؤلف فكأنّ الكاتب قد قال:
ائتوني بلغةٍ أخرى اجتمعت فيها هذه المزايا كما اجتمعت في اللغة العربية!
ختامًا، فإن للكتاب إيجابيات وسلبيات شأنه شأن الكتب الأخرى، فمن الإيجابيات أنه ناقش قضية مهمة، وحاول معالجتها معالجة أكاديمية محايدة.
ومن المآخذ أن المؤلف لم يحسِم الجواب حول أفضلية العربية، وكأنما كان حذرًا من إبداء رأيه الشخصي، تاركا للقارئ حرية اختيار الإجابة.