العقيد م. محمد بن فراج الشهري
شاع في الأدبيات الفكرية والسياسية العربية والإسلامية والدولية الكثير من المفاهيم والمصطلحات التي تعالج أو تعنى بـ (الهوية، العولمة، الإسلاموفوبيا، الأمركة، الإرهاب، العنف، المقاومة، الجهاد، الحروب الصليبية، حوار الأديان، حوار الحضارات، صدام الحضارات، الحوار مع الأنا والآخر، حرب الأفكار)، وكل هذه المصطلحات تدور حول معسكرين أو عالمين هما الغرب والإسلام. وهذه الفوضى في المصطلحات تحاول خلط الأوراق وإغراق العالم الإسلامي في بحار الفوضى الخلاقة التي خطط لها المحافظون الجدد بافتعال التوترات والأزمات وانتشار الصراعات... فنحن أمام استراتيجيتين تتبناهما الدوائر الغربية وتحديداً الغرب الأمريكي وحلفاؤه.. هما استراتيجية الفوضى الخلاقة واستراتيجية التفكيك والتركيب... الأولى تقوم على إشاعة الفوضى المفاهيمية وخلط الأوراق وتغييب الحقيقة والتركيز على تشويه الهوية الإسلامية وعدها العدو الأول للغرب... والثانية تقوم على تفكيك الهويات الفرعية (الاثنية والطائفية واللغوية والقومية) وتغذيتها بأسباب التفرد عن الهوية الأصلية تحت مسميات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والإصلاح.. بهدف تنميط التفكير الإسلامي وإخضاعه للثقافة الغربية قسراً ليتناسب مع التبشير بأمركة العالم.
وفي عالمنا العربي يتلاعب الإعلام المأجور لصالح الغرب (خاصة الولايات المتحدة الأمريكية) بعقول وفكر الشباب العربي المقلد للغرب.. فيروج لما يسمي (الإسلاموفوبيا) لبث روح الخوف من الإسلام، واتهام الإسلام بما هو منه براء، واتهام المسلمين بالتعصب والإرهاب والوحشية، وبالتالي هم يحاولون اللعب على وتر التعصب والتشدد، وإثارة المسلمين واستغلال غيرتهم على دينهم ونبيهم للترويج بالافتراءات التي يلصقونها بالإسلام والمسلمين، لما يسمى بالإسلاموفوبيا. وقد نجحت الدعاية الصهيونية وأعوانها في الغرب في النهاية في ترسيخ نظرة مشوهة للإسلام، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل الأمر إلى إرعاب المجتمعات الغربية من كل ما هو مسلم حتى ظهر في الغرب مصطلح إسلاموفوبيا (Islamophobia)، أو الخوف من الإسلام وهو يعني بالنتيجة الخوف والرعب والكره للإسلام والمسلمين.
ولم تمنع كثرة القراءات وتعدد التحليلات والتفسيرات لطبيعة العلاقة القائمة بين (الإسلام والغرب) من الاتفاق على أن هذه العلاقة شهدت فصولا ليست بالقصيرة من الصراع والاحتقان، وصلت في كثير من الأحيان إلى المجابهة العسكرية. وما كان من جوانب مضيئة في هذه العلاقة فقد بقي استثناء من القاعدة؛ لأن نقاط الاصطدام والمواجهة تفوقت كماً وكيفاً على نقاط التلاقي منذ ظهور الإسلام إلى يومنا هذا. وفي فصل جديد من فصول تأزم العلاقة بين الإسلام والغرب، شهدت المجتمعات الغربية في الآونة الأخيرة موجة من الممارسات العنصرية، وأشكالا من العداء والتمييز ضد الإسلام والمسلمين، ثم إدراجها تحت مسمى (الإسلاموفوبيا).
وفي الواقع فإن ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تصاعدت حدتها بعد أحداث 11 سبتمبر، هي ظاهرة قديمة، ومن الممكن القول إن تلك الظاهرة تضرب بجذورها عميقاً في تاريخ حافل بمسلسل طويل من العلاقات المضطربة بين الغرب والإسلام، استقر فيه هذا الأخير في الذهنية الغربية بوصفه تعبيراً عن خطر داهم محدق يهدد كل ما هو غربي، ربما انطلاقاً من الاقتران المتكرر الذي يمكن ملاحظته في مسيرة التاريخ.