د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
شاع في لغة المحدثين استعمال (هكذا) استعمال اسم الإشارة، ومن أمثلة استعمالهم: (لا أجيب على هكذا سؤال) و(لا أهتم بهكذا قضية)، ولعلهم يريدون: لا أجيب على سؤال كهذا السؤال، ولا أهتم بقضية كهذه القضية. ولا مساغ لاستعمالهم؛ لأنّه معاند لطريقة العربية الصحيحة من جهتين: الأولى استعمالهم (هكذا) اسم إشارة متبوعًا بمشار إليه مذكور، والآخرة جعلهم متبوع اسم الإشارة نكرة. والمألوف من استعمال (هكذا) في العربية أنها لا يليها مشار إليه ملفوظ به وإن أريد معناه، والقاعدة أن المشار إليه معرفة لا نكرة نحو قوله تعالى {قالَ يا وَيْلَتا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغُرابِ فأُوارِيَ سَوْءَةَ أَخي} [31-المائدة]. ويحذف المشار إليه كثيرًا استغناءًا باسم الإشارة، نحو قوله تعالى {لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إلّا أَساطيرُ الأَوَّلينَ} [31- الأنفال]. والتقدير: هذا القول.
و(هكذا) هي في الأصل (كهذا)؛ ولكن فصل بين (ها) التنبيه واسم الإشارة، قال الدماميني «إحداهما – الكاف، نحو: {أَهَكَذا عَرْشُكِ} [42-النمل]
ونحو قوله:
* ما هكذا يا سعدُ تُورَدُ الإبلُ *(1)
ويستعمل ذلك على الأصل كقوله:
وَيْلُمِّها في هَواءِ الجَوِّ طالِبَةً
ولا كَهَذا الذي في الأرضِ مَطْلوبُ»(2)
وقد أجاد القول في (هكذا) أستاذنا فاضل السامرائي؛ لذا أورد نص قوله، قال «هكذا: هذا التعبير مركب من (ها) التنبيه، والكاف الذي يفيد التشبيه، (وذا) اسم الإشارة ومعناه: مثل هذا، وهو عند النحاة بمعنى (كهذا) إعرابًا ومعنًى - غير أن كاف الجر قدمت في (كهذا) وقدم التنبيه في (هكذا). وحقيقة الأمر أنهما لا يتطابقان في الاستعمال، ولا في المعنى مع أن مفردات تركيبهما واحدة. فمن الفرق بينهما أنه لا يذكر المشار إليه بعد (هكذا) بخلاف (كهذا)، فتقول: هذا الطير كهذا الطير، وهذا الأمر كهذا الأمر، ولا تقول: هذا الطير هكذا الطير ولا هذا الأمر هكذا الأمر. ثمّ إن المعنى يختلف أيضًا، فإنَّ قولك (إن الطير كهذا الطير) يفيد تشبيه طير بطير، وأمّا قولك (إنَّ هذا الطير هكذا) فإن معناه: إن هذا الطير على هذه الصورة، أو هو على هذه الحال، أو هذه الهيئة. وتقول: هكذا يفعل الأبطال، وهكذا يفعل الرجال، وهو تعبير يفيد التشبيه، ومعناه هذه صورة فعل الرجال، ولا يجوز ذكر المشار إليه فلا يقال: هكذا الفعل يفعل الأبطال، ولا هكذا الفعل يفعل الرجال، بخلاف ما لو قالت: كهذا يفعل الرجال، فإنه يصح ذكر المشار إليه بعد (كهذا) [تقول: كهذا الفعلِ يفعل الرجال]. وتقول: ما بال فلان يفعل كذا وكذا؟ فيقال: هو هكذا، أي هذا شأنه وهذا أمره، ولا تقول: هو كهذا»(3).
وعلى الرغم من أنه لا يسوغ ذكر المشار إليه بعد (هكذا) هو مراد في المعنى، ففي قولنا (هكذا يفعل الرجال) المعنى: هكذا الفعل يفعل الرجال، وفي (هو هكذا) المعنى: هو هكذا الفعل يفعل. ولكن كثر استعمال (هكذا) بلا مشار إليه فصار منسيًّا.
و(هكذا) يشبه (كذلك)، ولذا فسرت بها، قال الطبري «أتلد عجوز عقيم (قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ) يقول: هكذا قال ربك: أي كما أخبرناك وقلنا لك»(4). وهم يقدرون بعد (كذلك) قال أبو علي الفارسي « كذلك يحيي الله الموتى، أي: يحييهم للبعث مثل هذا الإحياء الذي عُوين وشُوهد»(5)، كأنه يريد: كذلك الإحياء الذي عهدتموه يحيي الله الموتى.
قل إذن: أجيب عن سؤال كهذا، ولا تقل أجيب عن هكذا سؤال.
**__**__**__**__**__**
(1) هو عجز بيت أورده الميداني في «مجمع الأمثال» (2/ 364):
أوْرَدَهَا سَعْدٌ وسَعْدٌ مُشْتَمِلْ
مَا هكَذَا يا سعدُ تُورَدُ الإبل
(2) تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد للدماميني، 2/330.
(3) معاني النحو لفاضل السامرائي، 1/ 105.
(4) تفسير الطبري، ط التربية والتراث، 22/ 429.
(5) الحجة للقراء السبعة، 2/ 63.