عبد الله سليمان الطليان
القعود: يتعرض الناس الذين يعيشون حياة تتطلب قدراً كبيراً من القعود، إلى غير طبيعي، للضعف والتشاؤم والحزن، والسوداوية، وبالتالي، إلى إقبال سلبي، إلى حد ما، على الحياة، وعلى العكس، نجد الرياضيين عادة أشخاصاً أكثر تفاؤلاً وتوازناً، ويتمتعون بصحة أفضل، بدنياً وعقلياً، فقلما نجد شخصاً تخالجه الرغبة بارتكاب جريمة، أو يؤذي أحداً، أو يتصرف على نحو لا أخلاقي، أو يكتئب بعد أن يجري مسافة أربعة أو خمسة أميال فشعوب الأسكيمو، الذين يعتمدون في حياتهم على الصيد البري وصيد الأسماك. ملزمون بالمشي مسافات طويلة، ولهذا، فإن النمط اليومي للحياة يتطلب بذل كثير من الجهد. ونتيجة لذلك، تكون مستويات الكولستيرول عندهم من أدنى المستويات في العالم، على الرغم من حقيقة أن نظامهم الغذائي يقتصر تقريباً على الدسم الحيواني. ولا نجد أيضاً في هذه الثقافات الكثير من نماذج الجنوح وكأن زيادة النشاط البدني تنفيس العواطف الناس وغرائزهم الأكثر انحطاطاً، وهذا هو السبب الذي كان يدفع (الاسبارطيين) القدماء إلى إخضاع شبابهم إلى مجهودات بدنية شاقة بقصد تصليب شخصيتهم وإرادتهم. ولم يتهيأ لأولئك الشباب أن يتمتعوا بحقوقهم المدنية في الثلاثين من عمرهم إذا لم ينجحوا في القيام بتلك المجهودات. فالشاب الذي يحافظ على جسمه في حالة جيدة ينعم بالبهجة والتفاؤل، وكان عرق التمرين البدني يزيل، كما يبدو الغضب والتوتر.
والقعود أيضاً شكل من أشكال التساهل فيه يتفادى الفرد بذل أي جهد مداوم أو شديد، وبهذا يفقد فرصة ثمينة لتقوية إرادته. وفي الواقع، إن الجلوس يبعث على الضعف، كما نرى في فرط النوم والتكاسل في الفراش.
تنجح العواطف السيئة بسبب ضعف الإرادة عند من يكرهون بذل جهد كبير، عند الذين يجهلون أنه لا يمكن أن يكون هناك نمو أو إنجاز ذاتي دون تحديات والحياة القاسية النشيطة تساعد كثيراً على التفاؤل والتدريب الأخلاقي.
فقدان القيمة النائية: لا يستطيع المرء، كما يقول الفيلسوف الألماني ماكس شيلر، أن يعيش حياة أخلاقية حقاً دون أن يشعر بقيمته الخاصة، وكلما ازداد هذا الشعور وهنا، ازداد اعتماد المرء على ما يقوله الناس عنه.
وفي الواقع، إن معظم الناس يقيسون قيمتهم الخاصة من خلال إعجاب الآخرين بهم، ولذلك، يكافحون باستمرار لتضخيم صورهم لانتزاع استحسان الآخرين واحترامهم اللذين يعتمد عليهما إحساسهم بالقيمة الذاتية. وهذا هو سبب البحث القلق عن رموز للقوة والمكانة. فالسيارات الفارهة، والحلي، والفرو، كل ذلك مجرد وسيلة لإثارة الإعجاب والاحترام عملاً بالفلسفة التي تقول: قيمة المرء ما يملكه.
ومن الضروري أن نبيّن أن الـ أنا الحقيقية عند الفرد تضعف وتنحط بقدر ما تمتلئ ذاته بصورته، وهكذا، يصبح تدريجياً أقل قدرة على تقبل القيم العليا أو بذل جهود مضنية. فمركز ثقله لم يعد في باطنه، بل عند زميله، ولكن هذا لا يحدث بفعل المئة أو الاستقلال وإنما بفضل الأنانية الفائقة. فهو يعيش من خلال الآخرين لأنه يستخدمهم كمرآة لصورته - مجرد أدوات لتغذية ذاته.
ومن الواضح أن القيمة الحقيقية للفرد يمكن أن تكمن فقط في ذاتية كينونته نفسها ولا يحددها استحسان الآخرين. وإذا كان هذا الرأي، في الواقع، لا يضيف أية قيمة للشخص، فإن كل ما يحتاجه لكي ينمو خلقياً هو التعاطف مع الآخرين.