محمد سليمان العنقري
التغيير الذي جاء بعد إطلاق رؤية 2030 في دعم خطط أطراف السوق من خلال نشر البيانات والإحصاءات بشكل مكثف له دور مهم بدعم القطاع الخاص، من خلال زيادة قدرته على بناء توقعاته وتحديد توجهاته المستقبلية.
لعل أهم تطور إيجابي هو ما يتعلق بالميزانية العامة للدولة، حيث ينشر تقريرا فصليا عن أدائها، ولعل الأبرز هو البيان التمهيدي لميزانية العام التالي الذي يصدر ببداية الربع الأخير من كل عام، الذي يحمل أهمية بالغة يتم فيه إيضاح التوجهات الحكومية بإنفاقها وأين سيتركز، وما المستهدفات العامة والقطاعية والمناطقية التي يمكن استنتاجها من البيان.. فالميزانية بالأساس نفقاتها توضع لتحقيق أهداف محددة تلبي احتياجات الاقتصاد والمجتمع، أما التركيز على قراءة الأرقام ومقارناتها بالسنوات السابقة فهو يقدم جزءا ظاهريا للميزانية، فالأهمية تكمن فيمَ يراد من هذا الانفاق التقديري، فلذلك اهمية بالغة في تقدير حجم كل نشاط او قطاع ووضع الخطط من قبل القطاع الخاص لتحديد الاستثمار المناسب، كي تكون لديهم القدرة على التوسع والمنافسة المدروسة بعناية.
بدايةً، الميزانية العامة للدولة جزء من الاقتصاد والانفاق المتوقع للعام 2025 عند 1285 مليار ريال يقارب بحجمه 30 بالمائة من الناتج الاجمالي، لكن اثر هذا الانفاق كبير ومع ارتفاع كفاءة الانفاق قد يحقق كل ريال ينفق ريال او اكثر، ومع الانفاق الاستثماري لصندوق الاستثمارات العامة بالإضافة لانفاق الشركات العملاقة التي تملك فيها الدولة نسباً كبيرة مثل ارامكو ومعادن والاتصالات واكوا باور وعشرات الشركات الاخرى، فإن اثر الانفاق الحكومي وشبه الحكومي يمثل النسبة الاعظم بالتأثير بالناتج المحلي، وقد يكون ذلك عاملاً مهماً جداً في فترة التحول الاقتصادي الكبير الذي تعيشه المملكة، حيث تتعزز الثقة اكبر بالاقتصاد من قيادة الدولة للاستثمار وزيادة الإنفاق لتوسيع حجم القطاعات وتوزيع التنمية على كافة المناطق، وتوليد فرص العمل وزيادة الصادرات غير النفطية والتأسيس لبيئة اقتصادية تعزز دور القطاع الخاص وزيادة استثماراته لرفع الطاقة الاستيعابية بما يرفع من نسبة مساهمة المحتوى المحلي وتقليل الواردات التي تمثل فرصا استثمارية، كل ذلك حتى تتحقق أهداف الرؤية والوصول لدور لا يقل عن 65 بالمائة للقطاع الخاص بالناتج المحلي، وتقليل تأثير النفط بإيرادات الخزينة العامة الذي يقارب حالياً 65 بالمائة بعد ان شهدت الايرادات غير النفطية نمواً ضخماً من 17 بالمائة عام 2015 الى 35 بالمائة حالياً.
وفي ميزانية العام القادم يظهر التركيز على زيادة جودة وحجم مستوى الخدمات المقدمة للمجتمع، وهذا يعني ان قطاعات الخدمات بمختلف انشطتها ستشهد طرح واستكمال مشاريع عديدة فيها، وسترتقي الخدمات الصحية والتعليمية والنقل ومرافقه والكثير من الخدمات الاساسية، بالإضافة الى التركيز على تسريع انجاز المشاريع المهمة، فهناك استحقاقات عديدة قادمة مثل استضافة بطولة امم اسيا 2027 وكذلك اكسبو الرياض 2030 وايضا مشاريع تنموية مهمة بمناطق عديدة لتطوير قطاعات الصناعة والتعدين والسياحة وذلك ايضا للاستمرار بتوليد فرص العمل وخفض نسب البطالة التي هبطت لمستويات غير مسبوقة عند 7,1 بالمائة وهو الرقم المستهدف تحقيقه بعد ستة اعوام 2030 كما ان الميزانية تركز على زيادة الانتاج المحلي وايضا تحقيق مستهدفات كافة البرامج التي تضمنتها الرؤية، وكذلك الاستراتيجيات القطاعية رغم تحديات كبرى تتركز في وضع الاقتصاد العالمي الضعيف والاحداث الجيوسياسية بالشرق الاوسط والعالم لكن، هناك ايضا اهمية كبيرة لبداية تسريع التحول نحو اعطاء دور اكبر في تولي انجاز بعض المشاريع بالقطاعات الخدمية بالتملك والتنفيذ ويتم استئجارها منهم مثل المدارس او الكليات الجامعية او المستشفيات والمراكز الصحية وحتى مطارات او مرافق فيها وفي قطاع النقل والخدمات اللوجستية عموماً، وكذلك الطاقة والموارد الاقتصادية واي مجال يمكن للقطاع الخاص ان يكون هو المستثمر فيه والحكومة تستأجر منه، وفق آلية ملائمة وبما يتماشى مع التجارب الناجحة عالمياً، ويمكن ان يكون للسوق المالية دور اكبر في تمويل القطاع الخاص وتلك المشاريع عبر طرح الصكوك وزيادة التوجه لها بنسب اكبر من ادراج شركات جديدة والتي تشهد تغطية لحجم الاكتتاب بعدة مرات كدليل على توافر السيولة والرغبة في الاستثمار من الافراد او المؤسسات، فالحاجة ضرورية للتفكير بتوجهات تلك السيولة عبر فرص جديدة متنوعة وذلك لإيجاد التوازن ايضاً في توزيع الاستثمارات بدلاً من تركزها بالاكتتابات او المضاربات على الاصول المالية والعقارية بنسب اكبر من الحجم الملائم، بما يمنع تشكل الفقاعات السعرية او تصحيح القائم منها، اضافة لكون ذلك يتماشى مع مستهدفات رفع دور القطاع الخاص بالاقتصاد ليكون الطلب الذاتي داخل مكوناته اعلى من تأثير الطلب الذي يولده الانفاق الحكومي، كما ان ذلك سيعيد توجيه موارد الخزينة نحو برامج مختلفة او زيادة بالاحتيطيات العامة لمواجهة الصدمات التي تحدثها التقلبات الكبيرة بالاقتصاد العالمي خصوصاً المستقبلية؛ نظراً لحالة عدم اليقين التي تهيمن على المشهد الدولي، فهذه الظروف الدولية تمثل ايضاً فرصاً لجذب الاستثمارات للاقتصاد الوطني الذي يتمتع بقوة كبيرة من حيث النمو والاستقرار، لكن المنافسة ليست سهلة مع العالم.
الميزانية العامة تهدف لتحقيق نمو يصل الى 4,6 بالمائة وسيصل حجم الناتج المحلي لما يقارب 4,36 تريليون ريال والتوجه واضح نحو الاستمرار بتحقيق تنمية مستدامة وتنفيذ للبرامج والمشاريع ذات الاولوية بما يكفل الوصول لمستهدفات محددة ضمن الرؤية وبخطط للتمويل مناسبة والحفاظ على الاحتياطات المالية القوية ونسب تضخم تحت السيطرة اضافة لنظرة إيجابية للاقتصاد مع تصنيف ائتماني قوي واستثماري منخفض المخاطر من قبل اكبر مؤسسات التصنيف العالمية.