خالد بن حمد المالك
ظلت مدينة الرياض على مدى عقود تحتفظ بشخصية حذرة أمام كل تغيير يمس هذا الانطباع عنها، ولا أعني بذلك حركة العمران، وتوسع المدينة، ونمو السكان، ونقل الوزارات والسفارات إليها، كما لا أقصد توفر الخدمات الصحية والتعليمية بأكثر مما هو في أي مدينة أخرى من مدن المملكة.
* *
أعني أن شخصية الرياض لم تتغير بتغير التركيبة السكانية، وازدياد عدد الأجانب فيها، فقد ظلت لفترة طويلة كما هي رغم الفعاليات الرياضية والاقتصادية، وغيرها، والمحاولات ظلت خجولة في مواكبة التحولات الكثيرة التي تحيط بالمملكة من كل اتجاه.
* *
ولا يعني التزامها بهذه الشخصية كل هذه العقود، أنها كانت على خطأ، بل إن الظروف بما فيها الأعراف والتقاليد كان لها دورها في تمسك المدينة بما يلبي رغبة السكان، وبما ينسجم مع مصلحة المدينة، حتى لا يأتي التغيير باندفاع شديد ودون دراسة وتخطيط، فتكون آثاره سلبية على المدينة وسكانها، وهذا ما أخر التجديد والتغيير، قبل أن يقود الأمير محمد بن سلمان في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ودعمه، هذا الحراك المستمر الذي جدّد وحسّن وطوّر وأضاف الآن بما هو مبهر إلى هذه المدينة الجميلة.
* *
لم يكن ما حدث ويحدث للرياض من مبادرات إصلاحية وتجديدية، وتحديث، وعمل تطويري غير مسبوق، مقتصراً على النمو العمراني، وعلى المشروعات العملاقة، والتنمية في المرافق العامة، وإنما امتدت المبادرات إلى اختراق ما كان غير مسموح لكائن من كان الاقتراب منه، وأعني به ما يؤدي إلى جودة الحياة.
* *
وجاء التحول الكبير في تغيير نمط الحياة، وشخصية مدينة الرياض مع مبايعة الملك سلمان ملكاً للمملكة العربية السعودية، والأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، وكانت الرؤية 2030 هي من رسمت الطريق الصحيح والمؤثر لهذه الشخصية، بكل أدواتها ومعطياتها وأبعادها والأهداف المنشودة منها، بشكل مُتسارع يسابق الزمن، ودون وجود تعثر أو كبوات أو تحديات يمكن أن تؤثر على هذا المشروع التاريخي العملاق المهم.
* *
كانت الخطوة الأولى حصر عمل ونشاط هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمؤسسات الدينية في حدود اختصاصاتها، دون أن يكون لها الحق في التدخل في ما لا يعنيها، كما كانت تفعل من قبل، وامتدَّ ذلك إلى كل مؤسسات الدولة، بحيث يقتصر نشاطها على ما هو ضمن اختصاصها، وبذلك حددت المسؤوليات، وأنهت الازدواجية في المسؤوليات بين أجهزة الدولة، وشجعت على التعاون فيما بينها.
* *
وبناء على ذلك، وتأسيساً عليه، أصبحت المرأة مشاركة في كثير من الأعمال، ومكنت من حقها لتقود سيارتها، وتُسافر بلا محرم، وتتزوج دون الرجوع إلى ولي أمرها عند الضرورة، وأن تُمثل المملكة ضمن منتخبات رياضية تُمارس ألعابها من خلالها، وصار لها حضورها في القطاعات الأمنية وفي قيادة الجامعات، والعمل كسفيرة، وعضواً في مجلس الشورى، ورئيسة وقيادية في كثير من الهيئات ذات المؤسسات والتخصصات المهمة والكبيرة، وغير ذلك كثير.
* *
أصبحت الرياض بشخصيتها الجديدة ورشة عمل، ومكاناً للمؤتمرات الدولية، والترفيه، والسياحة، وهي تتجهز اليوم وتتحضر لثلاثة إنجازات قادمة، تتمثل في إقامة بطولة كأس العالم لكرة القدم، وكأس آسيا لنفس اللعبة، غير تلك القمم الرياضية في ألعاب أخرى، وها هي على موعد مع احتضان الأكسبو، ضمن الشخصية المبهرة الجديدة التي تتمتع بها مدينة الرياض.
* *
تفاصيل كثيرة مهمة، لم أتناولها في هذا المقال، مكتفياً بأمثلة، للتأكيد على أن رياض المستقبل سنراها مستقبلاً أكثر مما هي عليه الآن، لأن لدينا قيادة لديها طموح وعزم وشغف لجعل الرياض وجهة العالم قريباً، ودرة العواصم في العالم إن شاء الله. ومثل ذلك، فقد شهدت الكثير من المدن في مناطق المملكة من التحسينات والتجميل ما هو مشاهد، وصولاً لتحقيق جودة الحياة المنشودة فيها، ولا يزال قطار التنمية يسير بسرعة، ويحقق بجودة عالية الكثير من الإنجازات.