عبد الله سليمان الطليان
ولكن المؤكد هو أنه لا يمكن للمرء أن ينمو من خلال استحسان الآخرين، بل فقط من خلال عمله الخاص والصورة تعمل فقط على زيادة الإبراز الاجتماعي للفرد. وبدلاً من أن تعمل الصورة على تكبير قيمة الكائن، فإنها تعمل على تصغيرها لأنها كالطفيلي الذي يتغذى منه. فهناك أشخاص بارزون في مشاهير ليسوا أكثر من أشباح حزينة فارغة كالبالونات التي تنتفخ بالهواء فقط برغبة المعجبين بها في حين أنهم يفتقرون إلى أي مضمون أساسي ذي معنى.
عندما لا يشعر الناس بقيمتهم، فإن أخلاقهم تكون وضيعة المنزلة، فالناس الفاشلون والمستاؤون تتملكهم عواطف تمزقهم حتى أنهم لا يجدون متسعاً في حياتهم للتوجه إلى مسائل أكثر رفعة، ولا في رؤوسهم أو قلوبهم حيز يؤهلهم لكي يكونوا أكثر قبولاً لأشكال أسمى من السلوك وينشأ كربهم الوجودي من إدراك لظلم يعذبهم، لأنهم لا يفهمون أن الأخلاقية هي عدالة عليا.
إن الميكانيكا الخفية لـ الطبيعة يحددها ببساطة كبيرة التعبير إذا أعطينا فسوف نتلقى، لأن الطبيعة على اعتبارها طاقة كلية الوجود تعيد للفرد ما تتلقاه منه. ومن المضحك
أن يلتمس الناس تنمية احترامهم لذواتهم من خلال استحسان الآخرين، وبذلك يبرزون آناهم خارج أنفسهم ويدفنونها عند الحشود. ولكن ما يقومون به فعلاً يضعف كياناتهم الخاصة. التي لا يمكن أن تكتب لها البقيا لأنهم ينتحلون هويات نزوية زائفة لكي يحصلوا على قبول عام.
وكان هذا لا يكفي، فالحشود تعتمد على الموضة، وبما أن الموضة تتبدل باستمرار، فإن الغوغاء المتقلبين سوف يرفضون النماذج التي أعجبتهم سابقاً. وهكذا، يشعر الفرد بأنه ملزم في أن يبحث باستمرار عن منافذ لمقبوليته الاجتماعية.
أن يبحث الفرد عن هويته، ويؤكدها من خلال استحسان الآخرين، هي الطريقة الأكثر فعالية لتصنيفه ضمن الحشود، وبهذا يفقد جوهره وتميزه. هذه هي، في الواقع الطريقة الأسهل للوصول إلى حالة اللاكينونة، وهو الهدف السري لمن لا يجرؤون على مواجهة تحدي هذه الكينونة عند مستويات أعلى والاحتمال الأرجح أن يعمل الفرد على تنمية احترامه لذاته إذا شعر بأنه مقبول، ولكن القيمة الحقيقية لذاتيته التي تتبع من كينونته، تتضاءل أكثر فأكثر كل يوم.
من الضروري أن يفهم المرء جنون السعي إلى استحسان الآخرين، لأنه، بصرف النظر عما يفعله، سيحظى بموافقة بعضهم في حين يرفضه آخرون أي لن يكون هناك إجماع. وأفضل وسيلة لتنمية احترام الذات هي اتباع أسلوب صحي متعقل يقوم على أساس تقوية القيم الأخلاقية التي تنبع من معلماته الروحية المتسامية. وهذه المعلمات كانت، وما زالت وستبقى منقوشة في ذاكرة الطبيعة، ولذلك، فهي تكمن في أعماقنا كشرارة مقدسة وهي الفيض البسيط للكائن الأسمى.
وعن طريق إرضاء الله وليس الحشود، وعن طريق إدراكنا بأننا نسلك طريقاً رسمه الخالق، نحقق نجاحاً متكاملاً فيما يخص هدفنا الإنساني الحقيقي، ويمكن حتى لغير المؤمنين بالله أن يحققوا هذه الغاية، لأن الشكوكية بالذات لم تتجاهله أو تلغي شرائعه.