د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعتبر السعودية وأغلب الدول العربية بيئات صحراوية، لكنها تقود جهودا بيئية دولية لتغيير معادلة التصحر وانعكاساتها السلبية عليها وعلى دول العالم العربي وبقية دول العالم اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا استعدادا لاستضافتها مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر ( كوب 16 ) في ديسمبر 2024.
يدخل هذا الاهتمام ضمن إطار تعزيز العمل المشترك لتحقيق أهداف التنمية المستدامة أثناء مشاركة السعودية بوفد برئاسة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان للمشاركة في أعمال الجمعية العامة لأمم المتحدة في دورتها ال79 بهدف الخروج بحلول شاملة بين النسخ الثلاث المقبلة من مؤتمر الأطراف كوب المتعلقة بالاتفاقيات الثلاث لمبادرة ريو البيئية المناخ، والتنوع البيولوجي، والتصحر، التي انطلقت منذ ثلاثين عاما لتحسين الحياة على الأرض وحفظ مواردها الطبيعية واستدامتها.
يتمثل دور السعودية في تسليط الضوء على أهمية استصلاح الأراضي والتأثير الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المدمر نتيجة تدهور الأراضي والجفاف ينتج عنها تهديد التنوع البيولوجي وزيادة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري يؤدي إلى تفاقم تحديات الأمن الغذائي والمائي الذي يكلف العالم ستة تريليونات دولار من الخدمات الأيكولوجية المفقودة يتأثر منها 3 مليارات نسمة سنويا بتدهور الأراضي، حيث ضرب الجفاف في جميع أنحاء العالم ارتفعت فعليا منذ عام 2000 بنحو 29 في المائة بسبب تغير المناخ، نتيجة الطريقة التي تدار بها الأراضي، وتتعرض 52 في المائة من الأراضي الزراعية للتدهور، ينتج عنها خسائر يتراوح حجمها ما بين 6.3 و10.6 تريليون دولار، فيقع الأمن الغذائي تحت طائلة التهديد، وخسرت الأرض بالفعل في 2021 نحو 70 في المائة من تنوعها البيولوجي بسبب تجاوزات البشر وأنشطتهم المختلفة.
واستنادا لبيانات قدمتها 101 دولة من الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة تصحر الأراضي عام 2023 تبين أن هناك 1.84 مليار شخص يعانون الجفاف، وقد حددت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر هدفا لاستصلاح 1.5 مليار هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030، وستدفع الرياض نحو مزيد من التعهدات الملموسة لتحقيق هذه الغاية، لأنه سيكون في نسخته المقبلة المؤتمر الأكبر والأكثر شمولا في تاريخ مؤتمرات الأطراف التابعة للاتفاقية حيث سيوفر مساحة للتعاون الدولي على مستوى عالمي، وسيتيح الفرصة أمام القطاع الخاص والمجتمع المدني والعلمي لتبادل الحلول المتعلقة بتدهور الأراضي والتصحر والجفاف.
تنطلق السعودية من أجندة بيئية قوية في إطار اهتمامها بحماية البيئة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، كان من أبرزها تبني مبادرة فريدة من نوعها تحمل اسم مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وهي تحالف إقليمي يعد الأول من نوعه من حيث أهدافه لمواجهة تغير المناخ، من خلال تحفيز التعاون الإقليمي لضمان مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة، والدفع بعجلة التنويع الاقتصادي، لأن السعودية تتجه نحو مسارين الاقتصاد الدائري للكربون، وهي مبادرة تقدمت بها السعودية خلال استضافة قمة العشرين في 2020، والتشجير يساهمان في خفض الانبعاثات الكربونية على مستوى المنطقة.
تتجه السعودية إلى توحيد الرأي العالمي على إيجاد حلول مبتكرة لإصلاح الأراضي وبناء قدراتها على التكيف مع الجفاف، باعتبارها حجر الزاوية في الأمن الغذائي والمياه، وتحذر العالم من أن ربع سكان العالم يعاني من الجفاف، ويمكن ان يرتفع إلى ثلاثة أرباع العالم سيعاني من الجفاف في 2050 إذا لم يتجه العالم نحو الحلول الاستباقية من خلال التعاون المشترك لمواجهة مثل تلك التحديات المشتركة.
تهدف السعودية خلال ديسمبر استضافة مؤتمر كوب 16 فرصة فريدة لتضافر الجهود مع أذربيجان وكولومبيا رئيسة التنوع البيولوجي وحشد التأييد الدولي لمعالجة هذه التحديات البيئية المرتبطة والتي لها تأثير على الكوكب وسكانه، التحرك في مواجهة التحديات الوجودية المتمثلة في التغير المناخي والتصحر وفقدان التنوع البيولوجي، والحاجة إلى أجندة مشتركة يجري تنفيذها على أرض الواقع، وإطلاق العنان لجهود التعاون، وتعزيز كفاءة الإجراءات، وأن التحول العادل الذي يجري الحديث عنه في مجال التغير المناخي لابد أن يتجسد في ترابط الجهود لتجنب تدهور النظم البيئية الطبيعية وإلحاق الضرر بها.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقا بجامعة أم القرى