يُقصد بالحرف اليدوية والصناعة اليدوية؛ هي الصناعات التقليدية المتعددة، والمعتمدة على استخدام اليد، أو باستخدام الأدوات البسيطة فقط دون استعمال آلات حديثة، كما أنها من المهارات التي يمكن تعلمها وممارستها بحرفية عالية، وهي إحدى القطاعات الرئيسية التقليدية الحرفية.
بدأت الحرف اليدوية لدى البشر منذ فجر التاريخ، وقد أوجدتها الحاجة لها وغريزة الانسان البشرية ورغبته في العيش والبقاء، لذلك أنتجت بسبب الحاجة إلى الطعام والحاجة إلى الأدوات التي كان من المقرر صياغتها من أجل البحث عن الفريسة، والغريزة البدائية للنجاة، منذ حوالي (2,6) مليون سنة، اعتمد الإنسان المبكر على أشياء من بيئته، مما أدى إلى إنشاء أول حرف يدوية على الإطلاق مثل الرماح، والفؤوس التي استخدموها للبقاء على قيد الحياة وللصيد، ولحماية أنفسهم في البرية، وقد بنوا أساساً فنياً إبداعياً لتطوير الحرف اليدوية.
يأتي اهتمام حكومتنا الرشيدة - أيدها الله - بالحرف اليدوية كونها تلعب دوراً مهماً للغاية في تمثيل ثقافة، وتقاليد أي بلد أو منطقة، والحرف اليدوية هي وسيلة مهمة للحفاظ على الفنون التقليدية الغنية والتراث والثقافة والمهارات والمواهب التقليدية المرتبطة بنمط حياة الناس وتاريخهم، كما أن لها أهمية اقتصادية للغاية في التنمية الاقتصادية؛ حيث انها توفر فرصاً كبيرة للتوظيف حتى مع استثمارات رأس المال المنخفضة، وتصبح وسيلة بارزة للأرباح الأجنبية وهذه إحدى أهداف رؤية 2030 م للمملكة العربية السعودية.
يعد التراث الثقافي الحرفي في المملكة أحد أهم المكونات الثقافية لحضارة الشعب السعودي، وأحد الروابط الأساسية للتسلسل التاريخي الذي يشكّل حلقة متصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، وليس هذا فحسب بل هو جزء أساس من الهوية الوطنية، وتجسيد مادي ومعنوي لهذه الهوية، فهو يجمع بين الأماكن، والقيم، والعادات، والتقاليد، وأنماط التعبير البشري، والإبداع في الإنتاج سواء كانت المنتجات فردية أم جماعية، مثل: اللوحات، والرسومات، والفسيفساء، والمنحوتات، والمخطوطات، والمشغولات بخاماتها وأنواعها كافة، وغيرها من المنتجات اليدوية التي يتم إنتاجها بجودة ومهارات عالية بأدوات ووسائل تقليدية تتوارثها الأجيال، وتتعرف من خلالها على ماضيها، وهويتها الثقافية المتجذرة في التاريخ الإنساني.
من أهم الحرف اليدوية السعودية المسجلة ضمن التراث غير المادي في «اليونسكو»؛ وتعد حرفة حياكة السدو من أبرز الفنون الحرفية التقليدية، والإبداعية في المملكة وقد زاولها سكان الجزيرة العربية منذ القدم لتلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع، وأصبحت مع مرور الزمن أحد أهم أوجه وصور التراث الإنساني والحضاري في المملكة، وتتميز هذه الحرفة بتصاميمها المختلفة، وزخارفها الدقيقة، وألوانها المتنوعة، وقد تم تسجيلها عام 2020م، ويكتسب فن حياكة السدو بعداً ثقافياً وتراثّياً بالغ الأهمية في المجتمع السعودي، وتأكيداً لهذه القيمة التراثية التي يحملها، تم استخدام «السدو» في تصميم شعار قمة مجموعة العشرين التي استضافتها المملكة خلال العام 2020م.
الحرف اليدوية في المملكة العربية السعودية: إرث ثقافي ورؤية مستقبلية
تعد الحرف اليدوية جزءًا من الهوية الثقافية للدولة السعودية منذ تأسيسها، حيث ارتبطت هذه الحرف بالبيئة المحلية والاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للسكان. وقد كان للحرف اليدوية دور كبير في تعزيز الاقتصاد المحلي وفي تعزيز الشعور بالانتماء إلى التراث الوطني. ومع التطور الكبير الذي تشهده المملكة في إطار رؤية 2030، تتزايد الجهود للحفاظ على هذه الحرف التقليدية وتطويرها بما يتماشى مع التغيرات الحديثة.
أهم الحرف اليدوية في الدولة السعودية
صناعة السدو:
السدو هو نسيج يدوي تقليدي يستخدمه البدو لصناعة الخيام والملابس. تعتبر هذه الحرفة رمزًا للبيئة الصحراوية والثقافة البدوية، حيث يتم استخدام خيوط الصوف أو شعر الماعز في عملية النسج اليدوي باستخدام النول. وقد أُدرجت هذه الحرفة في قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو في عام2020 م، مما يعزز قيمتها الثقافية.
1 - صناعة الفخار
اشتهرت بعض المناطق في السعودية، مثل منطقة الأحساء، بصناعة الفخار منذ القدم. يستخدم الحرفيون الطين المحلي لصناعة الأواني والأدوات الفخارية التي كانت تُستخدم في الطهي والتخزين. وما زالت هذه الحرفة مستمرة حتى اليوم، حيث تُعد مصدر دخل للعديد من العائلات في هذه المناطق.
2 - صناعة الخوص
تعتمد هذه الحرفة على استخدام سعف النخيل في صناعة سلال وأوانٍ تُستخدم في الحياة اليومية. تنتشر هذه الحرفة في العديد من مناطق المملكة، خصوصًا في المناطق الزراعية التي تكثر فيها النخيل. تُعتبر منتجات الخوص جزءًا من التراث الوطني السعودي وتتميز بجماليتها وتنوع استخداماتها.
3 - الحدادة وصناعة الأدوات المعدنية
اشتهر الحرفيون في مناطق مختلفة من المملكة، مثل منطقة نجد، بصناعة السيوف والخناجر وأدوات الزراعة المعدنية. كانت هذه الأدوات تُستخدم في الحياة اليومية، سواء في الدفاع أو في الزراعة، مما يجعل هذه الحرفة جزءًا من التراث الوطني الذي يرتبط بتاريخ المملكة.
4 - صناعة الجلود
تقوم هذه الحرفة على دباغة جلود الحيوانات وتحويلها إلى منتجات مثل الحقائب، الأحذية، والدروع. تتميز المنتجات الجلدية السعودية بجودتها العالية وتصاميمها التقليدية التي ما زالت تُستخدم حتى اليوم، سواء في الحياة اليومية أو في المناسبات التراثية.
5 - النجارة التقليدية
اشتهرت بعض المناطق في المملكة، مثل منطقة جدة التاريخية، بالنجارة التقليدية التي تُستخدم في بناء الأبواب والنوافذ المزخرفة. يعتمد الحرفيون على الأخشاب المحلية في صنع هذه المنتجات، التي تُعد جزءًا من العمارة التقليدية في المملكة.
أهمية الحرف اليدوية في الدولة السعودية
1 - تعزيز الهوية الثقافية
تلعب الحرف اليدوية دورًا مهمًا في تعزيز الهوية الثقافية للدولة السعودية، حيث تُعتبر هذه الحرف مرآة لتراث المجتمع وتاريخه. الحرف اليدوية تعكس العادات والتقاليد المحلية وتعزز الشعور بالانتماء إلى الوطن.
2 - تعزيز الاقتصاد المحلي
تُسهم الحرف اليدوية بشكل كبير في دعم الاقتصاد المحلي، خصوصًا في المناطق الريفية التي تعتمد على الحرف اليدوية كمصدر رئيسي للدخل. من خلال تطوير هذه الحرف وتسويقها، يمكن تعزيز الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة.
3 - السياحة الثقافية
مع تزايد الاهتمام بالسياحة في المملكة، تُعد الحرف اليدوية جزءًا مهمًا من السياحة الثقافية. تجذب المنتجات الحرفية التقليدية السياح المهتمين بالتراث المحلي، مما يعزز الاقتصاد ويساهم في نشر الثقافة السعودية عالميًا.
4 - نقل التراث للأجيال القادمة
الحفاظ على الحرف اليدوية وتطويرها يضمن نقل هذا التراث الثقافي إلى الأجيال القادمة. من خلال التعليم والتدريب على هذه الحرف، يمكن ضمان استمراريتها والحفاظ على التراث الثقافي للمملكة.
رؤية 2030 ودعم الحرف اليدوية
في إطار رؤية 2030م، تسعى المملكة العربية السعودية إلى تعزيز دور الحرف اليدوية كجزء من التنمية الاقتصادية والثقافية. تشمل الجهود المبذولة عدة أشكال منها:
* إنشاء مراكز تدريبية وتعليمية: لدعم الحرفيين وتدريب الجيل الجديد على مهارات الحرف اليدوية التقليدية.
* دعم الحرفيين ماليًا: من خلال تقديم القروض والدعم المالي للحرفيين لضمان استمرارية عملهم وتطوير مشاريعهم.
* تنظيم المعارض والفعاليات: لتسليط الضوء على الحرف اليدوية المحلية وتشجيع السياحة الثقافية.
* تسويق المنتجات الحرفية: عبر المنصات الإلكترونية والأسواق المحلية والدولية، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد وإبراز المنتجات الحرفية السعودية عالميًا.
عام 2025م: عام الحرف اليدوية
مع موافقة مجلس الوزراء برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في دورته التي عُقدت يوم الثلاثاء، تاريخ 14 ربيع الأول 1446ه، (17 سبتمبر 2024م)، على تسمية عام 2025م بعام الحرف اليدوية، تسعى المملكة إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية:
* الاحتفاء بالتراث: من خلال تنظيم فعاليات وأنشطة تهدف إلى إبراز الحرف اليدوية وتعزيز مكانتها في المجتمع.
* التنمية المستدامة: بتشجيع الحرفيين على استخدام الموارد المحلية والحفاظ على البيئة.
* الدعم الحكومي: عبر مبادرات تشجيعية ومشاريع تنموية تهدف إلى تطوير قطاع الحرف اليدوية وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.
ختاماً.. تعد الحرف اليدوية جزءًا مهمًا من الهوية الثقافية والاقتصادية للدولة السعودية، وهي تمثل جسراً بين الماضي والحاضر. مع الجهود الحكومية المتزايدة لدعم هذه الحرف اليدوية، بما في ذلك تسمية عام 2025م بعام الحرف اليدوية، يمكن أن نتوقع أن تشهد الحرف اليدوية السعودية مزيدًا من التطور والنمو، مما يعزز من دورها في بناء مستقبل مستدام يحافظ على التراث وينقله للأجيال القادمة بإذن الله.
** **
- نوال بنت إبراهيم القحطاني