فيصل بن محمد فياض البارودي
واستمرت مسيرة قيادة المملكة على نفس النهج في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، حيث صدرت اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية بقرار مجلس الوزراء رقم 129 وتاريخ 6 ربيع الثاني 1428هـ الموافق 23 أبريل 2007 م، والذي ينظم عمل وحدات المراجعة ويمنحها الصلاحيات المناسبة لتمكينها من القيام بدورها المنوط بها والمساهمة لمساعدتها في تحقيق غاياتها وأهدافها وحماية الأموال والممتلكات العامة والحد من الغش والأخطاء واكتشافها، والتأكد من دقة البيانات المالية والسجلات المحاسبية والتقيد بالأنظمة واللوائح والسياسات والخطط الملزمة للجهات لتحقيق أهدافها بكفاءة والتأكد من سلامة أنظمة الرقابة الداخلية إضافة للعديد من اختصاصات ومسؤوليات المراجعة الداخلية في المنشآت الحكومية.
تلا ذلك صدور قرار مجلس الوزراء رقم 84 الصادر في 25 ربيع الأول 1432هـ الموافق 28 فبراير 2011م المتضمن تنظيم الجمعية السعودية للمراجعين الداخليين والذي يوضح اختصاصاتها ودورها في التطوير المهني والعلمي للمراجعين الداخليين، وكذلك الدور المعرفي والتوعوي بأهمية دور المراجعة الداخلية ضمن المنظمات، بما يحقق أحد مكونات الحوكمة الفعالة المتمثل في الأنشطة الرقابية، وكانت الجمعية تحت إشراف وزارة التجارة لتنتقل أعمال الإشراف عليها إلى الديوان العام للمحاسبة ويرأس مجلس إدارتها معالي رئيس الديوان العام للمحاسبة.
كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 165 الصادر في 28 جمادى الأولى 1432هـ الموافق 2 مايو 2011م، الخاص بتنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والذي يعنى بالتحري عن حالات الفساد والتحقق منها وإحالتها إلى الجهات ذات الاختصاص في حال ثبوتها لمحاسبة من يثبت عليه حالات الفساد واستعادة الأموال والممتلكات التي تم الحصول عليها دون وجه حق، أو القيام بأعمال تتسم بتعارض المصالح أو تتضمن تبديداً للأموال والممتلكات العامة.
ومنذ تسلّم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله لمقاليد الحكم وحتى يومنا هذا، لا يزال نهج قيادة الدولة أيدها الله مستمراً في تعزيز الحوكمة وتطبيق مبادئها الأساسية وثوابتها الأصيلة التي ترتكز حول تحقيق المستهدفات بفعالية وكفاءة، وتطبيق مبادئ العدالة والشفافية والمساءلة وتعزيز الرقابة وتحقيق مصالح الأطراف ذات العلاقة مع العمل على تجنب وقوع تعارض المصالح على جميع الأصعدة والتأكيد على ثوابت الهوية الإسلامية والأعراف المجتمعية المستمدة منها المتمثلة بحسن التعامل مع الآخرين من المستفيدين الخارجيين والرؤساء والمرؤوسين في منشآت القطاعات الحكومية والموارد والإمكانات المخصصة لهذه المنشآت والتعامل مع المعلومات والبيانات والتعاملات الخاصة بها باتخاذ الاحتياطات اللازمة دون تعريضها للمخاطر أو تسرب تلك المعلومات وخاصة ذات الاعتبارات السرية منها، وهذه الأمور تعد من المكونات الرئيسة للحوكمة الرشيدة، ولتعزيز هذه القيم والمبادئ صدر عن مجلس الوزراء مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة الصادرة بالقرار رقم 555 في 25 ذي الحجة 1437هـ الموفق 26 سبتمبر 2016م.
وعندما أطلق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله رؤية المملكة 2030 في 25 ابريل 2016، بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، رافق إطلاق هذه الرؤية حوكمة تتناسب مع طموحات هذه الرؤية من خلال وضع أهداف محددة يتم قياس مدى تحقيقها وخطط استراتيجية وتشغيلية تتكيف مع الظروف المحيطة والمستجدات، وتتعامل مع التحديات والعقبات التي قد تواجهها لتذليلها وتسهيل تنفيذ هذه الخطط لتحقيق ما تصبو إليه الدولة «مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح»، بأفضل النتائج وبكفاءة عالية مع الاستمرار في تقديم الخدمات للمواطنين والمقيمين دون أن تتأثر بهذه الخطة التطويرية، وتحسين مستوى هذه الخدمات بشكل مستمر والقيام بمتابعة وقياس أداء الجهات الحكومية، ومتابعة القيادة لسير عمل الخطط الاستراتيجية والتشغيلية لتحقيق المستهدفات.
وفي نفس السياق الوطني صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 87 في 7 صفر 1440هـ الموافق 16 أكتوبر 2018م، بتأسيس مجلس المخاطر الوطنية، المعني بالتعامل مع المخاطر المحتملة التي قد تؤثر في قدرة الدولة ومنشآتها على تحقيق أهدافها وتقديم الخدمات والأنشطة، وذلك بعد القيام بتقويم شامل للمخاطر وتحديد مواطن الضعف وإعداد سجل للبنية التحتية الحيوية وشبكة المعلومات، ودعم الجهات المعنية لنشر الوعي العام بالمخاطر وإنشاء مركز إدارة الكوارث والأزمات وإعداد الحلول لمراقبة المخاطر ومتابعتها، وقد صدرت الترتيبات التنظيمية لمجلس المخاطر الوطنية بقرار مجلس الوزراء رقم 445 في 12 شعبان 1443هـ الموافق 15 مارس 2022م.
مما تقدم يتضح جلياً دون أدنى شك اهتمام قادة هذا الوطن العظيم حفظهم الله على الاهتمام بالحوكمة وجميع مكوناتها وتمكين وتعزيز قيم المواطنة الصالحة والمساءلة والرقابة والحرص على تقديم الخدمات ورفع مستويات الكفاءة في الإنفاق، ويعد ذلك ما يعبرّ عنه «القيادة بالقدوة»، الذي تشكل نبراساً ومثالاً ينبغي أن تحتذي به جميع الأجهزة الحكومية وحتى مكونات القطاع الخاص لتمارس دورها الإيجابي الفعال في تطوير وتحسين ورفع جودة الخدمات والمنتجات وتحقيق النتائج المرغوبة بأفضل الوسائل وأكثرها كفاءة، وفي نفس الوقت تمكن الجهات الرقابية بالاضطلاع بمسؤولياتها الرقابية والإشرافية بمختلف تخصصاتها، والحوكمة لا تقتصر على تجويد الخدمات المقدمة فحسب وإنما بالاهتمام بحوكمة الأنشطة الأخرى حتى وإن لم ترتبط مباشرة بالخدمات أو المنتجات المقدمة، حيث إن تحسين الحوكمة المالية والموارد البشرية والخدمات المساندة وسلاسل الإمداد وغيرها من الوظائف والإدارات الإدارية هو مطلب رئيس لتحسين حوكمة المؤسسات والمنشآت مهما كانت صناعاتها أو مجالات العمل فيها، مما يؤدي إلى رفع كفاءة الإنفاق وكفاءة استغلال الموارد المالية والبشرية والحد من الإنفاق غير المبرر أو الهدر في الموارد المتاحة أو عدم استغلالها الاستغلال الأمثل، وكذلك عدم شغور وظائف العمل في الجهات لفترات طويلة دون أن يتم استقطاب المؤهلين القادرين على شغل هذه الوظائف بجدارة من خلال عمليات الاستقطاب الشفافة والتي تتسم بالعدالة بين المتقدمين أو المرشحين.
وتتجسد المساءلة والمحاسبة والنزاهة والعدالة في مقولة سمو سيدي ولي العهد حفظه الله «لن ينجُ أي شخص دخل في قضية فساد سواء كان أميراً أو وزيراً، ومن تتوافر ضده الأدلة الكافية سيحاسب».