عبدالله إبراهيم الكعيد
يعتقد بعض العربان العاربة والمستعربة أن في وصف البداوة ما يعيب البدو، وحينما يفتّشون في قواميسهم الذهنية الضحلة عن مفردات تنتقص من قيمة شعب من الشعوب لا يجدون ما يشفي غلّهم وغليلهم سوى قولهم (هؤلاء البدو). يعنون أهل شبه الجزيرة العربية وتحديداً (المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية). ولأنهم بلداء حتى في معرفة تاريخ وجغرافيا بلدانهم لا يعرفون أن هناك بدواً يقطنون بادية الشام وبادية العراق وبدو سيناء والبدو الرحّل في صحاري شمال إفريقيا.
ورد في فصل «ما تعلّمته من ثقافة البدو» من كتاب (العرب وجهة نظر يابانية) إعجاب الكاتب الياباني والمدرِّس في جامعة طوكيو نوبوأكي نوتوهارا بثقافة البدو وأكّد أنه لم يغامر بالذهاب إلى الصحراء العربية بحثاً عن الغرابة في أدبها وطريقة حياة البدو فيها، بل كان - وهذه طريقة اليابانيين- يبحث عن المعنى. لماذا يتمسك البدو بأسلوب معيشتهم الشاقة ومواجهة صعوبات الحياة في الصحراء. وحتى يعطي المؤلف درساً في كيفية التعاطي مع الثقافات المختلفة لأولئك الذين قد انسلخوا من هويتهم بعد أن استعابوها وتقمّصوا ثقافات وافدة ظناً ساذجاً بأن التحضّر يبدأ من سلخ المحليّة ولبس كساء لا يمت لثقافتهم بصلة.
يقول نوتوهارا «حاولت أن أدخل إلى ثقافة البداوة بلا أفكار مسبقة جاهزة. أنا أعرف كيف صوَّر بعض المستشرقين الغربيين الحياة في البادية، وأعرف أيضاً الصور السطحية العدوانية التي تقدّمها السينما العالمية عن العرب، لذلك كنت حذراً من الإعلانات الدجَّالة التي يتداولها الناس عن الحياة العربية».
شخصيّا لا ألوم من يتأثر بالصورة مسبقة التصور عن بلداننا (البدوية) من قبل شعوب الشرق البعيد أو الغرب المتعالي، لكنني أنظر باستخفاف للذي يدّعي انتماءه لأمة العرب بعد أن تخلّى عن الطربوش العثماني الأحمر و(الشروال مع الصديري) الوافد أيضاً ويلبس الزي الغربي بما فيه ربطة العنق التي أجاد (سكبتها) على كبر، أن يَصِم العرب الأقحاح بالبداوة.
الكاتب الياباني المحايد يعترف بكل ثقة (عكس بعض العربان) بأنهم في الشرق والغرب منغلقون تجاه الثقافات التي لا تشبه ثقافتهم لهذا هم لا يعرفون الآخر معرفة صحيحة وهذه حقيقة موجودة في اليابان ذاتها التي ينتمي إليها الكاتب وفي أوروبا وبعض البلدان العربية.
أقول لذلك الفرنكفوني المستعرب: هل تستطيع إيراد خصلة أو نمطاً سلوكياً واحداً يعيب البدو؟ هل تستطيع إيراد بالدليل ما يثلم أخلاق بدوي واحد؟ هل تستطيع إثبات فراستك في معرفة مواقع النجوم والاتجاهات دون الاستعانة بأي آلة اخترعها وصنعها غيرك؟
سأختم بمعلومات يجهلها السيّد (كرافتة)، هنالك مئات من بدونا من المتخصصين بالفيزياء النووية يعملون في معامل الطاقة المتقدمة في الشرق والغرب. هنالك المئات من بدونا الاستشاريين يعملون في المراكز الطبية العالمية ويجرون أعقد العمليات الجراحية. هنالك المئات من العالمات البدويات اللاتي يرأسن أقسام بحوث النانو والخلايا الجذعية في أكبر جامعات العالم في الوقت الذي تعجزون أنتم عن جمع نفاياتكم والتخلّص منها.