د. غالب محمد طه
المتمعن في الأزمات الإنسانية غير المسبوقة التي تضرب العالم اليوم، يرى بوضوح مدى ضخامة التحديات التي تواجه العالم في تأمين الغذاء، فهذه النزاعات لا تدمر فقط البنية التحتية الزراعية، بل تقضي أيضاً على الموارد الأساسية التي يعتمد عليها الملايين، فالنزوح الجماعي من المناطق المتضررة يضغط بشدة على الموارد الغذائية في المناطق التي تستقبل اللاجئين، مما يسبب نقصًا في الغذاء وارتفاعًا حادًا في الأسعار وإلى جانب ذلك، تعطل الاضطرابات السياسية سلاسل التوريد الغذائية، مما يفاقم الأزمة ويزيد من تعقيدها على الصعيدين المحلي والعالمي.
في ظل هذا الوضع المأساوي، تبرز المملكة العربية السعودية كمنارة شامخة، عبر استراتيجياتها الطموحة وحلولها المستدامة، تتحدى المملكة الأزمات وتبني مستقبلًا أكثر أمانًا غذائيًا، فهذه الحلول ليست مجرد استجابة للأزمات، بل رؤية استراتيجية تُظهر عزيمة المملكة على تحقيق أمن غذائي مستدام ليس فقط لنفسها، بل للعالم بأسره.
في اجتماع وزراء الزراعة الذي عُقد مؤخرًا في البرازيل، شدد وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي، المهندس عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي، على ضرورة تبني استراتيجيات طويلة الأمد في قطاع الزراعة، وأكد أن التحديات التي تواجه الزراعة ليست محصورة بجغرافيا معينة، بل هي قضايا عالمية تتطلب التعاون وتبادل المعرفة بين الدول لضمان مستقبل غذائي آمن.
التغيرات في المناخ تلعب دوراً كبيراً في التأثير على الزراعة، حيث أصبحت موجات الجفاف والفيضانات أكثر تكراراً بسبب هذه التغيرات، هذه التغيرات تؤدي إلى انخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية وتؤثر سلبًا على سلاسل التوريد الغذائية، ومع تزايد عدم الاستقرار السياسي وزيادة الطلب على الموارد الغذائية، تزداد الأزمات الغذائية في العديد من الدول، مما يجعل البحث عن حلول جديدة ومستدامة أكثر إلحاحًا.
رغم كل هذه الصعوبات، تسعى السعودية لضمان استمرار نظامها الغذائي وتكون جزءاً من الحل العالمي لمشاكل الغذاء، فقد كثفت المملكة استثماراتها في التكنولوجيا الزراعية، وركزت على تحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة قدرتها على التكيف مع الظروف المناخية القاسية.
خلال السنوات الأخيرة، شهد القطاع الزراعي في المملكة زيادة ملحوظة في الاستثمارات، وأشار الوزير الفضلي إلى أن المملكة تعتمد على عدة محركات وطنية لتعزيز الإنتاج الزراعي وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية،
ما يميز جهود المملكة في تعزيز الأمن الغذائي هو تركيزها على الابتكار التكنولوجي، حيث تعمل على تطوير تقنيات جديدة مثل الزراعة الذكية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات واتخاذ قرارات زراعية دقيقة. هذه التقنيات تساعد في تحسين استخدام الموارد، وتقليل الفاقد من المحاصيل، وزيادة الإنتاجية الزراعية. وهو ما يثير التفاؤل والإعجاب في المنطقة.
الزراعة المستدامة أيضًا جزء أساسي من استراتيجية المملكة، التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين زيادة الإنتاج الزراعي وحماية البيئة من خلال ممارسات زراعية لا تستنزف الموارد الطبيعية. كما تسعى المملكة إلى تعزيز دور القطاع الخاص في الاستثمار بالمشاريع الزراعية عبر تهيئة بيئة مناسبة وتقديم التسهيلات اللازمة.
وأشار الوزير الفضلي إلى أهمية نهج الصحة الواحدة في تحقيق التوازن بين صحة البشر والحيوانات والنباتات والنظم البيئية، مما يجعل العمل على مقاومة المضادات الميكروبية أمراً ضرورياً لحماية النظم الغذائية، ودعا الوزير المجتمعين للمشاركة في الاجتماع الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة المضادات الميكروبية، الذي ستستضيفه المملكة في نوفمبر المقبل بالرياض، بهدف تعزيز الاستجابة العالمية للتحديات الصحية العامة.
في مواجهة التحديات المتزايدة، تبرز المملكة العربية السعودية كمثال يحتذى به في تبني الحلول المستدامة وتعزيز الابتكار والتعاون الدولي، من خلال استثماراتها الكبيرة في التكنولوجيا الزراعية، بما في ذلك تطوير تقنيات الزراعة الذكية التي تبعث الأمل للمزارعين، تُظهر المملكة قدرتها على التكيف مع الظروف العالمية وتقديم حلول مبتكرة، هذه الجهود لا تقتصر على تحقيق الأمن الغذائي على الصعيدين المحلي والدولي فحسب، بل أيضًا على تحفيز التفاؤل والأمل في قلوب الكثيرين حول العالم، مما يعكس الرؤية الطموحة للمملكة في التصدي للتحديات وبناء مستقبل غذائي أكثر استدامة.