عبدالوهاب الفايز
الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) أدرج مؤخرًا في القائمة الخضراء التابعة للاتحاد كلًا من (محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية)، و(محمية الوعول) التابعة للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية. والقائمة الخضراء هي برنامج عالمي يحدد المؤشرات والمعايير التي تحقق حماية المحميات الطبيعية بصورة عادلة وناجحة من خلال تسليط الضوء على أفضل الممارسات.
هذا الإدراج هو ثمرة للإنجازات التي تحققت في المحميات الطبيعية وفي منظومة الحياة الفطرية؛ وأيضا هو تقدير دولي لجهودنا في حفظ وتنمية البيئة؛ وكذلك هو مؤشر على أن الحفاظ على الطبيعة يخدم مصالحنا ويخدم الإنسانية.
وهذا التقدير يضع علينا مسؤولية وهي: ضرورة الاستمرار والتوسع بالجهود الحكومية والعلمية والمهنية المنظمة التي تحافظ على البيئة وتصون الطبيعة وتحفظ الكائنات الحية الفطرية. ويعد التسجيل اعترافًا عالميًا، من قبل خبراء مستقلين، لمدى نجاح برامج إدارة محمية الوعول والحفاظ عليها بشكل فعال، ويؤكد أن الأنظمة البيئية والتنوع الأحيائي في تحسن مستمر، وكذلك يؤكد وجود الخدمات والمنافع للمجتمعات المحلية.
في هذا المكان أشرنا إلى جائزة (الريادة للأنواع المهاجرة)، التي حصلت عليها بلادنا، وهذه تُمنح للدول التي ساهمت في دعم وقيادة مبادرة معالجة الصيد والإتجار غير النظامي للأنواع المهاجرة من الطيور في منطقة جنوب غرب آسيا، للفترة من 2024 - 2026م. الجائزة التي حققتها المملكة، كانت تقديرا من خبراء وعلماء الحياة الفطرية في المجتمع الدولي، وهي ثمرة لجهودها الكبيرة للحفاظ على ممرات الطيور المهاجرة، وأماكن تكاثرها، وحمايتها من الصيد الجائر.
(محمية الوعول) تعد أول محمية سعودية تستوفي جميع المعايير والمؤشرات المطلوبة، ودخلت القائمة التي تضم 77 محمية في العالم تم اختيارها من بين 300 ألف محمية، وهذا رقم كبير ويعكس حجم ومدى التنافس للدخول في القائمة. هذا الاعتراف الدولي هو تقييم علمي محايد يجعلنا نطمئن على الجهود الحكومية المبذولة في منظومة الحياة الفطرية، بالذات في المحميات. فهذه تشكل تحديا كبيرا للإدارة الحكومية، فالمساحات الشاسعة المحمية هي مواقع حية وفيها ممتلكات، وفيها سكان لهم مصالح ومصادر رزق، وهذا يتطلب أن تدار وفق أفضل الممارسات والمؤشرات العالمية لإدارة المناطق المحمية.
وهذا ما يهدف إليه برنامج القائمة الخضراء الذي تبناها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة. الاتحاد يهمه حيوية ونمو المساحات الخضراء في الكرة الأرضية، خصوصاً مع توسع النشاط البشري وزحف العمران إلى المناطق الخضراء المنتجة للغذاء والحاضنة للحياة الفطرية. فاليوم، ثلث المساحات في الكرة الأرضية متدهورة أو في طريقها إلى التدهور، وهذا يضر التنوع البيولوجي، والأخطر على البيئة والبشرية هو تسرب مخزون ثاني أكسيد الكربون للهواء بسبب تجريف الغابات.
لذا تهتمّ الامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة بضرورة توفر المناطق المحمية في كل دولة. وهذا أحد دوافع انشاء القائمة الخضراء حتى تكون آلية تكريم من المجتمع الدولي للدول التي تحرص على ادارة المحميات بكفاءة عالية تجعلها (قادرة على حماية الطبيعة والموارد الثقافية، وحماية صحة الإنسان ورفاهيته، وتوفير سبل العيش ودعم التنمية المستدامة، وضمان تقديم المنفعة لأصحاب العلاقة في المحميات).
الاتحاد الدولي لصون الطبيعة لديه ما يقارب 50 معيارا رئيسيا تطبق لاختيار الدول للدخول في القائمة. ومن أهم هذه المعايير مدى كفاءة إدارة المحمية، ومدى المحافظة على التنوع الإحيائي فيها، وكذلك مدى اشتراك المجتمع المحلي في الأنشطة والفعاليات وبرامج الحماية والاستدامة المالية في المحمية. كما يعكس التسجيل نجاح المحمية في تحقيق المحاور الرئيسية والمعايير والمؤشرات التي تتضمن وجود حوكمة واضحة وفعالة تحقق الشفافية والمساءلة، مع وجود منهجية للتخطيط والإدارة تستند إلى أفضل المعارف والخبرات العلمية والمحلية. وتشمل المعايير التصميم والتخطيط السليم للمحمية، وفهم التهديدات والتحديات التي تواجهها، واستيعاب السياق الاجتماعي والاقتصادي فيها، والاستجابة الفعالة للتهديدات، إضافة إلى النجاح في الحفاظ على مقدرات المنطقة المحمية.
الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، الدكتور محمد قربان، أوضح أن إعلان تسجيل محمية الوعول في القائمة الخضراء يؤكد التزام المملكة بالحفاظ على النظم البيئية وسعيها لتحقيق هدف 30 في 30 لحماية 30 % من مساحة المملكة براً وبحراً بحلول 2030.
الأمر الإيجابي - حسب الدكتور قربان - أن المركز يعمل مع الشركاء في قطاع الحياة الفطرية (على تسجيل جميع المحميات الوطنية في هذه القائمة المهمة، سعيًا لتحقيق أحد أهداف رؤية المملكة 2030 بتسجيل المواقع ذات المزايا البيئية والثقافية في القوائم العالمية).
بالنسبة لنا في المملكة، وبعد حقبة كانت الخدمات المقدمة للبيئة فيها ضعيفة، الآن ومستقبلا نحتاج التعلم من خبرة وتجربة الدول التي سبقت في الاهتمام بالبيئة وتجمعت لديها الدراسات والأبحاث والتجارب الميدانية، بالذات في أمرين مهمين هما: اشراك المجتمعات المحلية، وتحقيق القيمة المضافة في الاقتصاد من حماية البيئة والمحافظة عليها.
هناك تجارب دولية نجحت في المسارين حيث نجحت في تنمية وصيانة المحميات واستثمارها. في المملكة المناطق المحمية قاربت حدود 18 بالمئة من مساحة بلادنا، والمستهدف الوصول إلى 30 بالمئة في العام 2030.
هذه المساحات الهائلة والمأهولة، إذا لم نبادر بوضع البرامج والمشاريع لاستثمارها، فسوف نواجه مشاكل رئيسية لها تبعاتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية. لذا التعاون مع المجتمع الدولي ضروري، كما يقول الدكتور قربان، حتى تكون التجربة السعودية مستنيرة ومستثمرة (للمعايير العالمية في أعمال الحماية والمحافظة، والالتزام بالممارسات البيئية الدولية).
المعلومة المفرحة أن هذه المحمية التي تقع في منطقة الرياض، تأسست (بطلب من الأهالي عام 1988). هذا يؤكد أن المجتمعات المحلية ستكون أكبر داعم ومساند لجهود الحكومة لحماية البيئة، وهذا الطلب من الأهالي مؤشر على الحس الإنساني والحضاري للمجتمع السعودي. الذي يعرف تاريخ أجدادنا ومدى حرصهم على الحياة الفطرية، لا يستغرب وجود الاقبال على حماية البيئة.
في محاضرة للدكتور عوض بن متريك الجهني في (منتدى المحميات الطبيعية، حمى)، الذي عقد قبل بضعة أشهر في الرياض، ذكر أن مفهوم الحمى أصيل في تاريخ الجزيرة العربية ويعود إلى ما قبل الإسلام.
وذكر أن (الحمى تراث اجتماعي نشأ بالجزيرة العربية منذ القدم، وتأصل هذا التراث عبر العصور من معرفة وتقدير أبناء الجزيرة العربية لأهمية النبات والحيوان للبقاء). وهذا الاهتمام المبكر بالطبيعة هو من مكارم الأخلاق لسكان الجزيرة العربية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وهذا الموروث الأخلاقي الممتد هو رصيد علينا استثماره للمضي، بدأب وحرص، لنقل الحرص على البيئة إلى الموقع الذي تستحقه في بلادنا.. وفي العالم، فنحن أمة مُكلَّفة بعمارة الأرض، أمة تَبني ولا تُخرب.
نتمنى أن نرى بقية المحميات الطبيعية في هذه القائمة.. وهذه مسؤولية القائمين عليها، عسى أن يبادروا.