د. عيد بن مسعود الجهني
التعليم يعد السبيل الى التنمية ومستقبل المجتمعات والمحرك الرئيس للتنمية المستدامة، ودين الله الخالد أمرنا بالاهتمام بالتعليم ورفع الله جلّت قدرته مكانة المتعلمين قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) المجادلة 11، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه أبو سعيد الخدري.
لذا التعليم دوره مهم في حياتنا فهدفه الأساسي حصول كل إنسان على مكانة متميزة في المجتمع من خلال بوابة التعليم العام والأكاديمي، التعليم الفني والمهني، التعليم الحرفي، التعليم الشامل.
وبكلمات موجزة التعليم روح المجتمع، أكثر الأمور إمتاعا للنفس، العلم هو الذي يزين الإنسان ويزيده جمالا، وهو جواز سفر المستقبل، زينة في الرخاء وملاذ في المستقبل، إنه نهر كلما شرب منه طالب العلم لا يرتوي وعلى قدر ما نأخذه من العلم نبقى بحاجة إلى المزيد منه.
يقول الإمام الشافعي:
رأيت العلم صاحبه كريم
ولو ولدته آباء لئام
التعليم هو الذي يواكب التطور الذي يحدث سريعا على الصعيد الدولي، فالعلم والمعرفة هما السبب في التقدم والتطور والتقدم للشعوب، وهو (التعليم من أهم مقومات الحياة فهو عنصر مهم في سعادتها وأمنها واستقرارها، وهو يعزز من النظرة الإيجابية والثقة بالنفس، والاعتماد على النفس كذلك، ويجعل الدول في مقدمة دول العالم.
هذا يوضح أن الدولة حددت هدف التعليم وبدأت تنفق الأموال الطائلة على سفينة التعليم لتحقيق الأهداف العامة خلال برامج قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى والتي تتطلب سنوات عديدة، وبالفعل وبعد عقود عديدة أصبحت للمملكة مكانتها المتقدمة بين الدول في ميدان التعليم العام والأكاديمي والبحث العلمي، وانتشرت المعاهد والمدارس والجامعات في كل أرجاء البلاد.
وقد وضحت خطط التنمية التسعة المبالغ التي أنفقت على العلم الذي أصبح تحت مظلة واحدة (وزارة التعليم) التي بالإضافة إلى التعليم العام ضم لها التعليم النسائي الذي كان تحت مسمى الرئاسة العامة لتعليم البنات ثم ألحقت بها وزارة التعليم العالي.
التعليم إذاً هو الوسيلة الأساسية في بلوغ الدولة هدفها لضمان سلامة إقليمها وسيادتها وحدودها وشعبها ومكتسباتها وتحقيق التطور العسكري بمعناه الواسع بناء (القوة) التي تحمي كيان الدولة على المستويين الداخلي والإقليمي والدولي فهي (القوة) أم الأمن القومي القادرة على فرض الهيمنة والرادعة للأطماع الإقليمية والدولية.
لذا: لماذا تقدمت دول وتأخرت أخرى؟ الجواب شديد الوضوح فهذه الدول تقدمت سريعا من خلال بوابة البحث والتطوير العلمي وخصصت مبالغ فلكية من إجمالي ناتجها المحلي للبحث العلمي، بيانات معهد اليونسكو للإحصاء تبين أن أربع دول من بين دول العالم تنفق أكثر من (100) مليار دولار سنويا على البحوث والتطوير، الولايات المتحدة وحدها تنفق أكثر من (480) مليار دولار، تليها الصين بـ (375) مليار دولار.
من ناحية أخرى، وطبقا لبيانات معهد اليونسكو للإحصاء تستحوذ (100) دولة على (80) في المئة من حجم الإنفاق الدولي على البحث والتطوير، لكن تبقى أمريكا التي ينخرط في قطاع البحث العلمي أكثر من (4300) باحث عن كل مليون نسمة يمثل إنفاقها على البحث مبلغا ضخما 27 في المئة من إجمالي الإنفاق الدولي على هذا المرفق الهام.
الدول العربية إنفاقها على البحث والتطور العلمي الذي يعتبر العمود الفقري لأمنها القومي في زمن (القوة) يعتبر متواضعا مقارنة بالدول المتقدمة في العلوم التطويرية في ميدان البحث العلمي، وتنشر مراكزها البحثية الحكومية والخاصة العديد من البحوث النافعة والتي تشمل الاقتصاد والطاقة والإدارة، والاستثمار والتكنولوجيا الطبية والعسكرية ..الخ.
دولنا العربية، كما نوهنا، المبالغ التي تنفقها على هذا المجال متنوع التخصصات نسبته متواضعة تبلغ ما بين (0.1 و 0.2) في المئة من إجمالي ناتجها المحلي، رغم أن من بينها دولا غنية بثرواتها المتعددة من نفط وغاز وطاقة متجددة وصناعة وزراعة، ويمكنها الاستثمار في العنصر البشري فهو صانع التقدم والتطور والتنمية المستدامة.
ويبرز الأمل في بعض الدول العربية التي تطورت فيها جودة التعليم فمؤتمر دافوس لقياس مؤشر التعليم لعام 2021 في الدول العربية والذي يعتبر من إحصائيات المنتدى الاقتصادي في دافوس قدم كلا من المملكة ولبنان والأردن والمغرب وتونس والكويت وسلطنة عمان كدول تقدمت في ميدان التعليم.
المملكة في حقل التعليم العالي تعتبر من أوائل الدول العربية في هذا التخصص العلمي الأهم في المسيرة التعليمية، تبرز هنا أسماء كل من جامعة الملك سعود، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، جامعة الملك خالد، جامعة الملك عبد العزيز، جامعة الملك فيصل، جامعة الفيصل.
ولأهمية البحث العلمي فان الرؤية 2020 - 2030 التي جاءت استراتيجية مستقبلية متكاملة طوت تحت مظلتها خطط التنمية السابقة لها، لذا فان من مخرجات الرؤية الدفع بعجلة البحث العلمي في المملكة إلى الأمام ليدخل سباق المنافسة مع الدول المتقدمة، ورغم أن عمر الرؤية لازال في مرحلة الشباب، إلا أن بلاد الحرمين الشريفين أصبح لها الصدارة في قائمة الـ(50) الدول العالمية، وبذا تصبح الأولى عربيا في ساحة البحث العلمي المتقدم وذلك طبقا لمؤشرات (نيتشر) Nature Index.
هذا يوضح الدعم الحكومي غير المحدود لصناعة البحث العلمي والتطوير والابتكار، وقد تم إنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار وسيكون لها القدح المعلا في رفع مستوى البحث العلمي والتطوير والابتكار في القطاعين العام والخاص في البلاد تطبيقا لمخرجات الرؤية التي يأتي البحث العلمي في مقدمة أهدافها، مثله مثل التطور الاقتصادي والتنموي والاستثمار في العنصر البشري من خلال بوابة التعليم والتدريب في جميع التخصصات التي يتطلبها سوق العمل الذي تغير وجهه خلال السنوات الماضية.
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة