سطام بن عبدالله آل سعد
تتطلب التنمية المستدامة في هذا العصر تفكيراً استراتيجياً عميقاً ورؤية شاملة تتطلع إلى المستقبل، وتتناول الابتكار والتفكير بعيد المدى، متجاوزة الحلول التقليدية التي تركز فقط على الأهداف البيئية أو الاقتصادية.
إنّ استراتيجيات التنمية المستدامة لرؤية 2030 تطرح تحديات فكرية تدعو لإعادة النظر في كيفية تعاملنا مع المشكلات العالمية المعقدة.
لا يمكننا الحديث عن استراتيجيات مستدامة دون إعادة النظر في مفهوم التخطيط الاستراتيجي ذاته، فعادةً ما يُنظر إلى التخطيط الاستراتيجي كخطة متسلسلة تحدد الأهداف والوسائل لتحقيقها، لكن مع التعقيد المتزايد للأزمات العالمية والمحيطة بنا، مثل التغير المناخي والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يحتاج التخطيط إلى أن يكون مرناً واستباقياً. ويتمثل التحدي الحقيقي هنا في التحول من نموذج التخطيط الخطي إلى التخطيط التكيفي الذي يأخذ في الحسبان المتغيرات المستقبلية غير المتوقعة. فبدلاً من الاعتماد على مؤشرات التنمية التقليدية، ينبغي أن يكون التخطيط قائمًا على التحليل المستمر للظروف المتغيرة والتكيف معها. هذا النوع من التخطيط يقتضي سياسات مرنة، وقدرة على مواجهة الأزمات التي قد تظهر في المستقبل.
إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة هي الابتكار. ومع ذلك، فإن الابتكار في سياق التنمية المستدامة لا يقتصر على التحسينات التقنية فقط، بل يمثل ابتكارًا تحوليًا يهدف إلى تغيير الأنظمة بالكامل. فمثلاً، تقنيات الاقتصاد الدائري التي تعتمد على إعادة استخدام الموارد وتقليل النفايات تعد حلولًا بيئية ونماذج اقتصادية جديدة تسعى لتغيير كيفية تعامل المجتمعات مع الموارد الطبيعية.
العمق الفكري الذي تتطلبه استراتيجيات التنمية المستدامة يتجسد في التحديات الفلسفية التي تعترض طريق التنفيذ. إحدى هذه التحديات تتمثل في فكرة عدالة الأجيال: كيف يمكن تحقيق التوازن بين احتياجات الجيل الحالي والأجيال القادمة؟ هذه المعضلة تتجاوز الجانب الاقتصادي، فهي مسألة أخلاقية تستلزم مراجعة التفكير في مفاهيم القيم المستقبلية. هل نحن مستعدون لتقديم تضحيات قصيرة الأجل لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة؟ الحل قد يكمن في إعادة صياغة الهياكل الاقتصادية القائمة على الاستهلاك المفرط، وتحويلها إلى نماذج اقتصادية مبنية على الاستدامة.
وللتعامل مع التحديات المستقبلية بعمق أكبر، يجب أن ندرك أن العالم الذي نعيش فيه هو نظام معقد، حيث تتفاعل المكونات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية والسياسية بطرق غير متوقعة، ولتحقيق تنمية فعلية ومستدامة، نحتاج إلى تبني نظرية التعقيد، وهي إطار فكري يساعد في فهم الأنظمة المترابطة التي تتصرف بشكل غير خطي. تركز هذه النظرية على كيفية تفاعل أجزاء النظام لتشكيل نتائج معقدة يصعب توقعها عند تحليل كل جزء بمفرده.
هذا النهج يساعد على فهم كيفية تكيف السياسات العامة مع الأزمات؛ فالتضخم الاقتصادي، مثلاً، لا يمكن التعامل معه كقضية مالية بحتة، بل كجزء من النظام الاقتصادي والاجتماعي العالمي، حيث تؤثر تغيرات الأسعار على سلوك المستهلكين، والشركات، والسياسات النقدية، ما يستدعي تعديلات شاملة لمواجهة تداعياته الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل.
يُفترض عدم الاستكانة عند تحقيق الأهداف النهائية في التنمية المستدامة؛ فهي تستوجب أسلوب تفكير يعيد تقييم علاقتنا بالعالم من خلال منظور التفكير النظامي. فبدلاً من التعامل مع كل تحدٍ بشكل منفصل، ينبغي إدراك أن مكونات المجتمع، والبيئة، والسياسة، والاقتصاد مترابطة، وأن الحلول المستدامة عليها أن تكون شاملة ومتكاملة.
لنعد إلى عنوان مقالنا.. هل نحن مستعدون؟
** **
- مستشار التنمية المستدامة