شاهين عبداللاييف
تحتفل جمهورية أذربيجان الحديثة بالذكرى الثالثة والثلاثين عاما على إعادة استقلالها في الثامن عشر من أكتوبر (عام 1991)، و التي هي امتداد لجمهورية أذربيجان الديمقراطية التي تأسست في الثامن والعشرين من مايو (عام 1918) كأول جمهورية ديمقراطية في الشرق الإسلامي، وقامت ارتكازًا على منظومة متكاملة من الفكر الديمقراطي، والحرية، وتعددية الأحزاب، وهو ما انعكس فيما تبنته من سياسات رسخت للتعددية السياسية والدينية والمساواة بين القوميات، مع التأكيد على حرية الرأي والتعبير، ذلك كله في إطار من الاستقلالية الكاملة لسياستها الخارجية.
وخلال هذه المرحلة التاريخية الحرجة من تاريخ أذربيجان، تمكن الزعيم القومي حيدر علييف بتولي زمام الأمور، وإخراج البلاد من هذه الأزمة الطاحنة، من نقل أذربيجان من حالة التخبط التي سادت بداية التسعينات إلى آفاق الازدهار والتقدم الوطني، إذ سارع الزعيم الوطني حيدر علييف إلى توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار مع أرمينيا وبدء المفاوضات مع الدول المشاركة في حل النزاع لإعادة الأراضي المحتلة، إلى جانب تعزيز مؤسسات الدولة وتوسيع آفاق العلاقات الخارجية التي اشتدت الحاجة إليها مع بناء الجيش ووضع أسس استراتيجية شاملة في مجال الطاقة (اتفاقية «عقد القرن» الخاص بتنقيب النفط واستخراجه وتصديره إلى الأسواق الدولية) بما في ذلك تمهيد الطريق للتنمية طويلة المدى في البلاد. وقد بدأ عهد جديد في حياة جمهورية أذربيجان المستقلة، حيث تخلت البلاد عن الاقتصاد المخطط للحقبة السوفيتية، وتحولت إلى اقتصاد السوق الحر.
وتحولت جمهورية أذربيجان في الفترة الأخيرة إلى نقطة ربط بين الغرب والشرق والشمال والجنوب، خاصة بعد إنشاء خط أنابيب باكو - تبليسي - جيهان للنفط، وباكو - تبيلسي - أرضروم للغاز الطبيعي. وافتُتح خط باكو - تبليسي- قارص للسكك الحديدية. كما تم افتتاح مشروعين «تاب» و «تاناب» الذين ينقلان الغاز الطبيعي الأذربيجاني إلى أوروبا.
ومع بداية الألفية الثالثة وتحديدًا عام 2003، استكمل السيد إلـهام علييف بعد أن أصبح رئيسًا للدولة، ما بدأه الزعيم القومي حيدر علييف، متبعًا نهجه في إدارة البلاد، وقد أصبحت أذربيجان وللمرة الأولى دولة عضوًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2012-2013)، كما أصبحت ترأس قمة حركة عدم الانحياز (2019-2023).
ويمكن اعتبار استضافة مؤتمر COP29 بشأن تغيير المناخ الحدث الأكثر أهمية لعام 2024 بالنسبة لأذربيجان واستمرارًا منطقيًا لاستراتيجية البلاد للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، ووفقا لهذه المهمة، تم إعلان عام 2024 «عام التضامن من أجل العالم الأخضر» في أذربيجان بموجب مرسوم رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف.
وما يلفت الانتباه هنا، أنه مع كل ما حققته أذربيجان من نجاحات إلا أنها ظلت تحترم الشرعية الدولية في استعادة أراضيها المحتلة بعدما اعترفت كل دول العالم ما عدا أرمينيا بوحدة أراضي جمهورية أذربيجان وسيادتها.
وعلى ضوء التغيرات الجارية في المنطقة، فإن أواصر العلاقات التاريخية مع العالم العربي والإسلامي والتي تتمتع بطبيعة الحال بالأولوية في إطار السياسة الخارجية لأذربيجان، تفتح أمامنا فرصا جديدة لتعزيز آليات الشراكة القوية مع بلدان المنطقة، ومع المملكة العربية السعودية الشقيقة على وجه الخصوص.
إن العلاقات السعودية - الأذربيجانية في تطور مستمر؛ وهذا يبعث على الرضا والطمأنينة بين البلدين، ويعزز العمل المشترك لتطوير هذه العلاقة يومًا بعد يوم. وإننا نشيد بالسياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية التي تقوم على أساس الاعتراف بالحقوق، ومبادئ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة.
وتجدر الإشارة هنا إلى الموقف الأخوي للمملكة والتأييد الدائم لقضية جمهورية أذربيجان العادلة في إطار منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، وباقي المنظمات الدولية.
وفي شهر أكتوبر 2024، قام وفد من أصحاب الأعمال السعوديين برئاسة اتحاد الغرف السعودية، سعادة الأستاذ حسن الحويزي، بزيارة عمل إلى أذربيجان، لاستكشاف الفرص الاستثمارية المتاحة، وكان بينهم الشركات السعودية الكبيرة وشركات تعمل في القطاع السياحي، وهذا دليل قوة البيئة الاستثمارية وجاذبيتها.
كما تركزت المناقشات على تعزيز الاستثمارات السعودية بالسوق الأذربيجانية في قطاعات النفط، والطاقة المتجددة، والصناعة والتعدين، والسياحة، والبنية التحتية، والثروة الحيوانية، والزراعة. وتطرق اللقاء إلى سبل تمكين الشركات الأذربيجانية من المشاريع الضخمة بمجال البنية التحتية بالسوق السعودية، وتصدير منتجات غذائية إلى المملكة.
واتفق الجانبان على ضرورة تقديم الحوافز والتسهيلات للمستثمرين السعوديين لتشجيعهم على الاستثمار بالمناطق الاقتصادية الحرة في أذربيجان.
ويجدر الإشارة إلى أن هناك تعاونا مثمرا بين البلدين في مجال الطاقة بما فيه فعاليات شركة اكوا باور السعودية. ويستمر إنشاء أكبر محطة طاقة الرياح في أذربيجان. ويتم تنفيذ الفعاليات المشتركة من قبل شركة اكوا باور ووزارة الطاقة الأذربيجانية وفقا للاتفاقية على بناء سعات تخزينية قدرها 200 ميجاوات في البلد لأول مرة.
** **
- سفير جمهورية أذربيجان بالرياض