د.محمد بن عبدالرحمن البشر
دائما ما يكون هناك ارتباط بين النمو الاقتصادي في بلد ما والحروب التي تواجهها، فالاقتصاد مرتبط ارتباطا وثيقا بالاستقرار، وهذا ليس وليد اليوم، وإنما كان ذلك ديدن الأحداث عبر التاريخ، ففي القرن الثالث قبل الميلاد كانت الحرب مستعرة بين الحيثيين القادمين من هضبة الأناضول إلى سوريا واحتلالها، وبين الدولة المصرية أو أرض الكنانة من جهة أخرى، والذين كان لهم موضع قدم واتباع في ممالك سوريا المتناثرة، والمسماة ممالك المدن، وبين المصريين والآشوريين العراقيين من جهة أخرى، وكانت معارك المصريين بقيادة رمسيس الثاني، والحيثيين بقيادة الملك ماتيللي، وقامت المعركة بالقرب من نهر العاصي بالقرب من حمص في موقع يقال له قادش، ومن حسن الحظ أن أحداث تلك الواقعة، وادعاء كل طرف الانتصار، قد سجلت من كلا الطرفين بعد توصلهما إلى معاهدة مكتوبة، وقد عثر على نصوصها مكتوبة في لوح من الطين في مدينة حاتوسا عاصمة الحيثيين الواقعة في تركيا في الوقت الحاضر، وبعد معركة قادش ومعاهدة الصلح استتب الأمن.
في ظل السلام الذي عاشته الدول العظمى في ذلك الوقت، استتب الأمن وازدهر الاقتصاد، ولبست المنطقة جميعها حلتها الجميلة، وزاد النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية والتقدم العلمي، وأخذت الزراعة في الازدهار حتى تحققت فوائض سلعية ومالية، والتفت القادة من جميع الأطراف إلى الاستمتاع بما توفر من مال واستقرار، وحدث ذلك أيضا في مراحل تاريخية متعاقبة، مثل الدولة القرطاجية، والرومانية، والإسلامية، وغيرها.
في وقتنا الحاضر، كان هناك حروب مبيدة للبشرية إن صح التعبير، مثل الحرب العالمية الأولى والثانية، ويعود ذلك إلى تطور الآلة العسكرية القادرة على إبادة عدد كبير من البشر في دقيقة واحدة، وهذا ما نشاهده اليوم في بعض المناطق الملتهبة من العالم، وبعد الحرب العالمية الثانية استقرت الحال في أوروبا، فبدأت نهضة كبيرة، وانطلقت ألمانيا واليابان اللتان خسرتا الحرب، بسرعة فائقة في المجال الاقتصادي والإداري، لتوافر الأمن والاستقرار، وتراجع الدول الاستعمارية مثل بريطانيا العظمى وفرنسا عن نهجهما الاستعماري القديم، واستبداله بأسلوب أكثر نعومة، كما أضحى دور الولايات المتحدة الأمريكية أكثر بروزا، فقد كانت قبل الحرب العالمية الأولى بعيدة عن العالم القديم، ومع تطور المواصلات والاتصالات، ومشاركتها في الحرب العالمية الأولى أصبح لها دور بارز اقتصاديا وعسكريا، وعلينا أن نعرف أنها ظلت مستقرة، ولهذا كان النمو الكبير والتطور الهائل، بينما أذرعها على شكل قواعد عسكرية وتحالفات سياسية منتشرة هنا وهناك، من نافلة القول أن يتساءل المرء عن مدى تأثير تفاعل الولايات المتحدة الأمريكية في الساحة العالمية في الاقتصاد الداخلي لها، على المدى الطويل، لاسيما في ظل البروز الاقتصادي لبعض الدول مثل الصين، التي ليس لها أذرع عسكرية، مستبدلة ذلك بأذرع استثمارية، وهي تعيش فترة استقرار، ونمو كبيرين بعد تبنيها نهجا اقتصاديا حرا إلى حد ما، ولهذا يمكن القول إن الدول التي لا تواجه حروبا في قعر دارها، يمكنها مواصلة نموها، بينما الدول التي تواجه حربا على أرضها تكون عرضة للتقهقر، فهل هذا ما يراد فعله في روسيا؟ هذا ما سوف تثبته الأحداث المقبلة.