محمد بن إبراهيم الحسين
تترسخ لدى شريحة واسعة من المجتمع مزاعم عجيبة منها أن آدم -عليه السلام- كان يتحدث العربية، وأن طوفان نوح -عليه السلام- حدث قبل (6) آلاف عام فقط وعم كافة أرجاء الأرض وأهلك جميع البشر، وأن اللغة العربية كنعانية والأبجدية العربية فينيقية، وغير ذلك من المزاعم الخاطئة التي تدل على تخلف علمي وضحالة ثقافية وعجز عن الفهم وقصور في الاستيعاب وخلل في الإدراك، وتنتج من أسباب عديدة منها أسطرة التاريخ وأدلجة العلم، واستحواذ علم الجهل حيث تمسخ الحقائق، والجهل المركب حيث يجهل المرء ويجهل أنه يجهل، وفيما يلي استعراض لبعض الطروحات الساذجة والطروحات التي تفندها علمياً ومنطقياً..
الطرح الساذج: آدم كان يتحدث اللغة العربية!!
الطرح المنطقي: اللغات البشرية تطورت على مدى عشرات الآلاف من الأعوام كما يلي:
قبل حوالي (70) ألف عام نشأت اللغة البدائية كإشارات يدوية وأصوات مبهمة، وقبل حوالي (18) ألف عام تبلورت اللغة الجزرية الأم وأول وأقدم اللغات البشرية في الجزيرة العربية.. قبل حوالي (12) ألف عام انتشرت اللغات التي يطلق عليها مصطلح اللغات الإفروآسيوية أو اللغات السامية الحامية في مناطق غرب آسيا وشرق إفريقيا، «أقترح تغيير مسمى اللغات الإفروآسيوية إلى مسمى اللغات الآسيوإفريقية؛ حيث أن اللغة الجزرية الأم انتقلت من غرب آسيا «الجزيرة العربية» إلى شرق إفريقيا «القرن الإفريقي» وليس العكس؛ وبالتالي يصبح المسمى الأصح هو اللغات الآسيوإفريقية، أما مسمى اللغات الإفروآسيوية فيفهم منه تغيير مكان منشأ اللغة الجزرية العربية وعكس اتجاه مسار انتشارها».. قبل حوالي (8) آلاف عام انتقل أحد فروع اللغة الجزرية الأم من الجزيرة العربية إلى الهلال الخصيب ثم إلى الهند حيث نشأت اللغة الهندية البدائية التي تفرعت منها اللغات الهندوأوروبية.. قبل حوالي (7) آلاف عام تبلورت اللغة العربية القديمة في مناطق وسط وجنوب الجزيرة العربية ثم انتشرت في مناطق الهلال الخصيب وشمال إفريقيا والحبشة وأطلق عليها مسمى اللغة السامية الأم وتفرعت إلى عدة لغات يطلق عليها اللغات السامية.. قبل حوالي (6) آلاف عام تطورت اللغة العربية الحديثة في الجزيرة العربية وبلغت أوج تطورها قبل حوالي ألفي عام.
الطرح الساذج: طوفان نوح حدث قبل (6) آلاف عام فقط، وعم الأرض وأهلك جميع البشر!
الطرح المنطقي: طوفان نوح يترجح أنه حدث قبل حوالي (70) ألف عام، حيث تثبت السجلات المناخية والطبقات الأرضية واللقى الأحفورية والبصمات الوراثية حدوث كارثة شاملة عمت الأرض وانخفض على إثرها أعداد البشر إلى أقل من ألفي شخص يترجح بأن جميع البشر من ذرية شخص واحد منهم فقط، ويتوافق ذلك الحدث مع عمر السلالة (CT) التي تمثل عنق زجاجة للبشرية حيث لا توجد قبلها سوى سلالتين بينما تنحدر منها عشرات السلالات.. كما حدث قبل حوالي (15) ألف عام طوفان محدود إثر نهاية العصر الجليدي الأخير وذوبان طبقات هائلة من الجليد، وورد ذكر ذلك الطوفان في الأساطير السومرية، ويترجح أن تأثيره اقتصر على منطقة أور وما حولها بجنوب العراق، وتسبب في هلاك البشر والحيوانات في تلك المنطقة.
الطرح الساذج: العرب قدموا من القوقاز إلى الجزيرة العربية!
الطرح المنطقي: البشر نشأوا في الجزيرة العربية التي كانت بمثابة خزان بشري خرجوا منه وانتشروا في كافة أنحاء الأرض، حيث انطلقت الهجرات المبكرة من الجزيرة العربية منذ حوالي (100-150) ألف عام وتوالت الهجرات التي تخرج منها ولا تعود إليها إلا في هجرات عكسية محدودة لظروف طارئة من المناطق المحيطة بالجزيرة العربية، فمن غير المعقول أن يترك البشر الأراضي المنبسطة والسهول الشاسعة والمروج اليانعة والبحار المفتوحة والبحيرات والأنهار الجارية كمناطق الهلال الخصيب والأناضول والقوقاز ويعودوا في الجزيرة العربية حيث الجفاف والصحاري القاحلة والجبال الوعرة والمرتفعات العسرة وقسوة المناخ وندرة المياه وصعوبة العيش.
الطرح الساذج: العرب عرق قوقازي، والقبائل الجزرية أرمينية والسلالة العربية قوقازية!!
الطرح المنطقي: العرب عرق جزري نشأوا في الجزيرة العربية وبقوا فيها بينما خرجت منها الهجرات البشرية فشكلت الأعراق المختلفة، أما العرق القوقازي فهو مجرد اصطلاح لتصنيف عرقي جسدي مظهري وليس لتحديد الأصول العرقية ومنشأها ومواطنها، وقد تم استخدام مصطلح (القوقازية) لنفي الجزرية عن الشعوب الأوروبية، كما تم استخدام مصطلح (السامية) لنفي العروبة عن شعوب الشام واليهود.
الطرح الساذج: العرب لا يمكن أن يكونوا عرباً إلى آدم، فقد أصبحوا عربا ولكن أسلافهم كانوا عجما!!
الطرح المنطقي: البشر نشأوا في الجزيرة العربية ثم هاجروا منها وانتشروا في كافة أنحاء الأرض حيث تنوعت الأعراق وتطورت اللغات، أما العرب فهم الذين بقوا في الجزيرة العربية ولم يخرجوا منها، فهم عرب وقبل ذلك ساميين وقبل ذلك جزريين وقبل ذلك بشر آدميين، انعزلوا في جزيرتهم ولم يختلطوا بغيرهم من الأعراق، وطوروا لغتهم العربية ولم يتحدثوا غيرها من اللغات؛ فهم عرب خلص لم يستعجموا لا عرقياً ولا ثقافياً ولا لغوياً.
الطرح الساذج: العروبة ثقافة وليست عرقاً!
الطرح المنطقي: عندما تتطابق المواريث القبلية مع «البصمات الوراثية» ويتكتل 85 % من عرب «الجزيرة العربية» على سلالة واحدة بعمر 30 ألف عام، وعلى تحور واحد بعمر 18 ألف عام، و60 % على تحور واحد بعمر 3 آلاف عام، ثم يزعم أن «العروبة» ثقافة وليست عرقاً؛ فإن المواريث القبلية والبصمات الوراثية تدحض تلك المزاعم.
الطرح الساذج: اللغة العربية كنعانية والخط العربي فينيقي!
الطرح المنطقي: اللغة العربية أم اللغات نشأت في الجزيرة العربية، والأبجدية العربية أساس الأبجديات نشأت في الجزيرة العربية، والمزاعم التي تنفي ذلك تجرد الجزيرة العربية من حضارتها وتاريخها وجغرافيتها، ومن المؤسف أنها تصدر من العرب أبناء الجزيرة العربية.
تلك الطروحات غير المنطقية تستلزم العمل على تطوير المناهج وتكثيف الثقافة وتدريب العقول على التفكير المنطقي وتنمية مهارات الاستقراء والاستنتاج؛ لتتبلور رؤية واضحة وجلية تدحض المزاعم الواهية وتصحح المعلومات الخاطئة التي ترسبت في العقول.