سهام القحطاني
«إن جاك ولد سمّه موضي».
تحية لروح «موضي البسام» رائدة العمل التطوعي في التاريخ السعودي.
ساهمت المرأة العربية في العمل التطوعي ما قبل الإسلام حتى اليوم، وتنوعت أشكال ذلك التطوع ما بين الاجتماعي والديني والثقافي.
وتجلت مبادئ العمل التطوعي عند العرب قبل الإسلام من خلال «إكرام الضيف وإغاثة الملهوف»، حتى أصبح هذا العمل التطوعي بهذا المفهوم مصدر تفاخر بين القبائل.
وكان من أعمال التطوع عند العرب إقامة الولائم للفقراء والجوعى وخاصة في الشتاء، وهذا ما مدحت به الخنساء أخاها صخرا عندما قالت:
وإن صخرا لولينا وسيدنا
وإن صخرا إذا نشْتوا لنحّار
وإن صخرا لمقدام إذا ركبوا
وإن صخرا إذا جاعوا لعقارُ
ومن أعرق أعمال التطوع عند المرأة العربية ما قبل الإسلام هي «الرضاعة»، فكانت هناك نساء يقمن بالتطوع «بإرضاع الأطفال» اليتامى» أو من تُعاني أمهاتهن مشكلات صحية.
والتطوع بغناء الأهازيج الحماسية أثناء الحروب، مثلما حدث في غزوة أحد، عندما جمعت «هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان النساء وتجولن في صفوف الجنود وهن يرددن: «وبها بني عبد الدار، وبها حماة الأديار، ضربا بكل بتّار».
وفي مجال العطاء كانت هناك «سفانة بنت حاتم الطائي» التي كانت تنفق ما يعطيها أبوها على المحتاجين، وقد نافست سفانة أباها حاتم الطائي في الكرم حتى قال مقولته الشهيرة «إن القرينين إذا اجتمعا في المال أتلفاه».
وتوثقت أهمية العمل التطوعي في ظل الإسلام وشاركت المرأة فيه بصورة واسعة وفي مجالات عدة، وكانت السيدة «أسماء بنت أبي بكر» الرائدة في هذا المجال من خلال دورها في هجرة الرسول الكريم وأبيها، وكان ذلك دلالة على الشجاعة وإيمانها بقضية الإسلام.
وتعتبر السيدة «رُفيدة الأسلمية» أول امرأة عربية ومسلمة - باعتبارها مخضرمة - امتهنت التمريض والطبابة، وبعد إسلامها تطوعت كممرضة لمداوة جرحي المسلمين في الغزوات، ولم يقتصر دورها التطوعي في التمريض بل إضافة إلى ذلك تعليم النساء لمهنة التمريض والإسعافات الأولية ومنهن السيدة عائشة بنت أبي بكر.
كما برزت السيدة «الشفاء بنت القرشية» في صدر الإسلام كأول متطوعة في مجال «تعليم النساء القراءة والكتابة» ومن بين هؤلاء النساء السيدة « حفصة بنت عمر بن الخطاب».
ولا يُنسى دور السيدة عائشة بنت ابي بكر في مجال التطوع باعتبارها أعلم الصحابة بالحديث والفقه، وكان يعود إليها الصحابة كلما استغلقت عليهم دلالة أو معنى في الأحاديث.
وتعتبر السيدة «حفصة بنت عمر بن الخطاب» أول امرأة مسلمة مسؤولة عن «وقف خيري».
وفي العصر العباسي توسعت رقعة العمل التطوعي بقيادة المرأة العربية المسلمة وتنوعت مجالاته، فبرزت السيدة «سكينة بنت الحسين» في مجال التطوع الثقافي من خلال «ناديها الثقافي غير الربحي» والذي اسهم في تقديم دراسات نقدية.
كما برزت في مجال العمل التطوعي السيدة «زبيدة بنت جعفر» زوجة الخليفة هارون الرشيد، وقد كان لها مساهمات تطوعية من خلال بناء آبار السقاية للحجاج تصل ما بين بغداد ومكة المكرمة عُرفت «بدرب زبيدة وعين زبيدة»، وقد خُلد هذا العمل التطوعي من خلال «وقف عين زبيدة» وتحوّله إلى تحفة سياحية في المملكة إكراما لهذه السيدة التي ضربت مثلا باهرا في العمل التطوعي.
وعلى مستوى التاريخ السعودي فإن انضمام المرأة السعودية إلى خريطة العمل التطوعي بدأ منذ عام «1932هـ»، واشُتهرت العديد من النساء الفُضليات في هذا المجال منهن :
الأميرة نورة بنت عبدالرحمن آل سعود «أخت الملك المؤسس - رحمه الله -» وقد اهتمت في هذا المجال بكل ما يتعلق «بتعليم الأطفال» «ومساندة الأيتام، وكانت محاصيل مزارعها أشبه بالوقف تذهب إلى المحتاجين.
السيدة موضي البسام «أم المساكين» والتي ضُرب بها مثل «إن جاء ولد سمّه موضي»؛ تقديرا لدورها في العمل التطوعي في كثير من المجالات.
والسيدة «غالية البقمي» التي كانت تساعد الجنود وبذلت أموالها دفاعا عن وطنها.
كما أسهمت المرأة السعودية في بداية عهد التأسيس في التطوع كمعلمات في الكتاتيب لتعليم الفتيات، ووقف الكتب، وقد برزت في هذا المجال الأميرة الجوهرة بنت الإمام فيصل بن تركي، والأميرة سارة بنت فيصل بن عبدالعزيز التي أسست للعمل التطوعي الخيري في السعودية منذ عام 1963م من أهمها «جمعية النهضة النسائية» وتركز الجمعية على مشاريع وبرامج خدميّة موجهة للمجتمع، ( المصدر: الدكتور دلال الحربي).
وما زالت المرأة السعودية كل يوم تُوسع جغرافية العمل التطوعي بمساهماتها الفكرية والتنفيذية مدعومة برؤية 2030 التي ركزت على أهمية وقيمة العمل التطوعي؛ باعتباره ركيزة من ركائز التنمية المستدامة وسهّلت المشاركة فيه من خلال «المنصة الوطنية للعمل التطوعي»، وللوصول إلى «مليون متطوع».
لقد كانت وستظل السعودية قيادة عظيمة وشعبا عظيما رمزا عالميا للخير والسلام وال عطاء والإنسانية.